ثم بين بعد توجيهه للأحاديث من حيث الآثار توجيهه من حيث النظر، فقال: فإنا

قد رأينا هذه الأشياء التي قد اختلف في أكلها أنه ينقض الوضوء أم لا إذا مستها النار؟ وقد أجمع أن أكلها قبل مماسة النار إياها لا ينقض الوضوء فأردنا أن ننظر، هل للنار حكم يجب في الأشياء إذا مستها، فينتقل به حكمها إليها، فرأينا الماء القراح طاهراً تؤدى به الفروض ثم رأيناه إذا سخن فصار مما قد مسته النار أن حكمه في طهارته على ما كان عليه قبل مماسته النار إياه، وأن النار لم تحدث فيه حكماً ينتقل به حكمه إلى غير ما كان عليه في البدء.

فلما كان مما وصفنا كذلك، كان في النظر أن الطعام الطاهر الذي لا يكون أكله قبل أن تمسه النار حدثا، إذا مسته النار لا تنقله عن حاله ولا تغير حكمه، ويكون حكمه بعد مسيس النار إياه كحكمه قبل ذلك قياساً ونظراً على ما بينا (?) .

كما بين الحازمي وجه درء هذا التعارض حيث قال: ويمكن أن يقال:" إن الوضوء مما مست النار اختلف فيه وتكافأت الروايات عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في ذلك في الصحة والشهرة، وتكلمت الأئمة في الأول منه والآخر والناسخ والمنسوخ فأكثرهم رأوه منسوخاً.

وذهب بعضهم إلى أن المنسوخ هو ترك الوضوء مما مست النار، والناسخ الأمر بالوضوء منه، وإليه ذهب الزهري وجماعة، وتمسكوا في ذلك بأحاديث منها: وذكر بسنده:

1- عن جبيرة بن عمرو عن سلمة بن سلامة بن وقش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما دخلا وليمة وسلمة على وضوء فأكلوا ثم خرجوا فتوضأ سلمة، فقال له جبيرة: ألم تكن على وضوء؟ قال: بلى! ولكني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرجنا من دعوة دعونا لها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو على وضوء فأكل ثم توضأ فقلت له: ألم تكن على وضوء يا رسول الله؟ قال: بلى! ولكن الأمر يحدث وهذا مما حدث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015