" وأما من فرق بين الصحارى والبناء في ذلك فقول لا يقوم عليه دليل أصلاً، إذ ليس في شيء من هذه الآثار فرق بين صحراء وبنيان، فالقول بذلك ظن، والظن أكذب الحديث، ولا يغني عن الحق شيئاً، ولا فرق بين من حمل النهي على الصحارى دون البنيان وبين آخر قال: بل النهي عن ذلك في المدينة أو مكة خاصة، وبين من قال: في أيام الحج خاصة، وكل ذلك تخليط لا وجه له.
وقال بعضهم: إنما كان في الصحارى لأن هنالك قوماً يصلون فيؤذون بذلك، قال أبو محمد: هذا باطل، لأن وقوع الغائط كيفما وقع في الصحراء فموضعه لا بد أن يكون قبلة لجهة ما، وغير قبلة لجهة أخرى، فخرج قول مالك عن أن يكون له متعلق بسنة أو بدليل أصلاً، وهو قول خالف جميع أقوال الصحابة رضي الله عنهم إلا رواية ابن عمر قد روي عنه خلافها. وبالله التوفيق". (?)
قلت:
وما ذهب إليه بعض العلماء من الجمع بين الأحاديث حيث فرقوا بين البنيان والصحراء فأجازوا ذلك في البنيان ومنعوه في الصحراء هو الأولى، وذلك لأن من قال بالنسخ لا دليل معه على تقدم أحد الأمرين على الآخر، ومن قال بالترجيح أعمل بعض الأحاديث وأبطل بعضها وهي صحيحة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا وجه لإعمال أحدهما دون الآخر مع إمكان الجمع، فلما أمكن الجمع كما ذكرت وهو جمع لا تعسف فيه وجب المصير إليه والقول به. والله أعلم.
المبحث الثامن:
كيف تطهر الأرض من البول.
وتتعارض في هذا المبحث أحاديث يفيد بعضها طهارة الأرض من البول بصب الماء عليه، ويفيد الآخر عدم الاكتفاء بصب الماء عليه بل يجب أخذ التراب الذي أتى عليه البول.
فالقارئ حين يقرأ في هذا المبحث يجد حديث أنس -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى أعرابياً يبول في المسجد فقال: "دعوه" حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه) .