وأما ابن خزيمة: فقد جمع بين الأحاديث بأن حديث (الماء طهور لا ينجسه شيء) مجمل غير مفسر، عام مراده خاص، خص بمقدار القلتين منه، فما كان دونهما فهو ينجس، وجمع بينهما وبين حديث (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) بأن النهي في هذا الحديث لما كان دون القلتين، أما القلتان فلا تنجسان (?) .
وجمع بعض الحنابلة بأن (الماء طهور لا ينجسه شيء) فيما كان قلتين فأكثر إذا كانت النجاسة غير بول وعذرة، أما إذا كان بولاً فإنه ينجس ما دام الماء راكداً وإن كان قلتين (?) .
هذا وقد أجمعوا على أن الماء إذا خالطته النجاسة وغيرت طعمه أو لونه أو ريحه فهو نجس وإن كان كثيراً (?) .
وقد جمع الإمام ابن قيم الجوزية، فأفاض في المسألة وذكر جميع الآراء والحجج لجميع المذاهب وبين ردود بعضهم على بعض، ثم تكلم على كل حجة بما يشفي ويغني كلَّ باحثٍ، واختار مذهباً لم يذهبه قبله أحدٌ –فيما أعلم- وذكر الأدلة النقلية والعقلية على ما ذهب إليه، ولولا خشية الإطالة لذكرت كلامه برمته، ومما جاء فيه مختصرا:
1- أجاب عن الأحاديث الثلاثة المفيدة لنجاسة الماء، بأنه ليس في شيء من هذه الأحاديث أن الماء ينجس بمجرد ملاقاة البول والولوغ، وغمس اليد.
2- أجاب عن حديث (القلتين) بأن ذكر القلتين يحتمل أن يكون وقع في الجواب لحاجة السائل إلى ذلك، ولا يمكن الجزم بدفع هذا الاحتمال، إلا لو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال هذا اللفظ ابتداء من غير سؤال لاندفع هذا الاحتمال.