ويجد أن حديث (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) يدل على أن قدر القلتين لا ينجس بملاقاة النجاسة، وكذا ما هو أكثر من ذلك بالأولى.
فهذان الحديثان يدلان على أن الماء الكثير لا يتنجس بورود النجاسة عليه.
كما أن الحديث الثالث (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) يدل على أن الماء الراكد الذي لا يجري يتنجس بورود النجاسة عليه سواء كان قليلا أو كثيرا.
كما أن حديث (إذا استيقظ أحدكم فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا) وحديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار) يدلان على أن الماء القليل يتنجس بورود النجاسة عليه.
وللعلماء في حلِّ هذا التعارض مذاهب، أذكر أشهرها:
1- ذهب جماعة من العلماء إلى الترجيح منهم أبو حنيفة وأبو يوسف والحسن والطحاوي.
فرجحوا الأحاديث المفيدة للنجاسة وأجابوا عن الأحاديث المفيدة للطهارة، فقالوا:
•أما حديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء) فالجواب عنه بأن بئر بضاعة في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- كانت ممرا للماء فلم تكن راكدة، وبأن سؤال الصحابة للنبي –صلى الله عليه وسلم- لم يكن والنجاسة في البئر، وإنما بعد إخراجها منها، فأجابه النبي –صلى الله عليه وسلم- على أنها لا تبقى نجسة إذا زالت النجاسة منها، لا أنه يريد أنها غير نجسة في حال كون النجاسة فيها.
• أما حديث (القلتين) فأجابوا عنه بأن هاتين القلتين لم يبين لنا مقدارها، فقد يجوز أن يكون مقدارها قلتين من قلال هجر، ويحتمل أن يكون أُريد بهما قلتا الرجل أي قامته.
ولو كان هذا القدر لا ينجس فإنه يبقى طاهراً وإن غيرت النجاسة طعمه أو لونه أو ريحه على ظاهر الحديث ولا حجة في حديث (الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه) لأنه منقطع. (?)
وهم بهذا قد درؤا تعارض هذه الأحاديث.
قلت: في إجابتهم وترجيحهم نظر لعدة أمور: