وبعضهم يرويه عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل لكل صلاة. فإن كان ذلك كذلك فقد يجوز أن يكون أراد به العلاج، وقد يجوز أن يكون أراد به ما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا، لأن دمها سائل دائم السيلان، فليست صلاة إلا يحتمل أن تكون عندها طاهرا من حيض ليس لها أن تصليها إلا بعد الاغتسال، فأمرها بالغسل لذلك.
فإن كان هذا هو معنى حديثها؛ فإنا كذلك نقول أيضا فيمن استمر بها الدم ولم تعرف أيامها.
فلما احتملت هذه الآثار ما ذكرنا، وروينا عن عائشة -رضي الله عنها- من قولها بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما وصفنا؛ ثبت أن ذلك هو حكم المستحاضة التي لا تعرف أيامها، وثبت أن ما خالف ذلك مما روي عنها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مستحاضة استحاضتها غير استحاضة هذه، أو في مستحاضة استحاضتها مثل استحاضة هذه، إلا أن ذلك على أي المعاني كان. فما روي في أمر فاطمة ابنة أبي حبيش أولى، لأن معه الاختيار من عائشة له بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد علمت ما خالفه وما وافقه من قوله، وكذلك أيضا ما رويناه عن علي -رضي الله عنه- في المستحاضة أنها تغتسل لكل صلاة، وما رويناه عنه أنها تجمع بين الصلاتين بغسل، وما رويناه عنه أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة؛ إنما اختلفت أقواله في ذلك لاختلاف الاستحاضة التي أفتى فيها بذلك.
وأما ما رووا عن أم حبيبة -رضي الله عنها- في اغتسالها لكل صلاة، فوجه ذلك عندنا أنها كانت تتعالج به.". (?)