ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط" (?) .
قلت:
فالحاصل أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث، بل يمكن الجمع بينها بأن الغسل في الخلوة عرياناً جائز إذا لم يكن أحد بمقربة منه. وما ورد من إطلاق في حديث بهز من قوله "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" دال على الاستحباب والأفضلية، لأن التستر أقرب للحياء، والتكشف في الخلوة فيه تعويد على التكشف عند الناس، فإذا اعتاد المسلم التستر في الخلوة، وهاب التكشف فيه، واستحيا منه؛ فإنه أحرى أن يستحي عند الناس. وإلا فإن الله سبحانه وتعالى يعلم ويرى ويحيط بالإنسان في جميع أحيانه، وعلى كل حالاته.
وما ذهب إليه النووي من إباحة التكشف في حالة الحاجة فحسن، لما فيه من رفع المشقة وإزالة العنت مع أمن المحذور. وبهذا يدرأ التعارض، ويزول الإشكال. ... والله أعلم.
الباب الخامس
باب السواك.
وفيه مبحث:
حكم السواك للصائم.
اهتم الإسلام بطهارة أتباعه، وتفقدهم في سائر أحوالهم، حاثاً إياهم على التطهر والنظافة والنقاء، فهم خير أمة أخرجت للناس.
ومن ألون حرصه وعنايته أن حثهم على تنظيف أسنانهم وصيانتها من كل قذر وريح خبيث، واختار لهم بحكمته وخبرته المسواك، وهو أنفع ما على الأرض لأسنانهم وأفواههم، ودعاهم إلى استعماله، وهو شجر طيب الريح يحوي أكمل المواد وأنفعها للسان واللثة.
وقد اعتنى العلماء -رضوان الله ورحمته عليهم أجمعين- في بعض أحكامه ومسائله، وذلك لوجود أحاديث فهم بعضهم منها ما لم يفهمه الآخر، فذهب كل إلى ما فهم، واختلفوا في استنباط الحكم من هذا الحديث، فهذا يأخذ به، وذاك يتركه، وهذا يحمله الوجوب وذاك يحمله على الندب، وليس هذا يعنينا في بحثنا هذا، وإنما الذي نعنى هنا؛ هو إيراد الأحاديث التي تتعارض في ظاهرها، ويشكل على القارئ فهمها، أو الجمع بينها، أو ترجيح بعضها على بعض.