الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
وَاعْتُرِضَ هَذَا الْجَوَابُ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ دُخُولِ بَعْضِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ النَّارَ، كَحَدِيثِ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَاعْتُرِضَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ، يُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْقَاطِعُ كَقَوْلِهِ: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
وَاعْتُرِضَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَتَعَارَضُ عَامٌّ وَخَاصٌّ، فَمَا أَخْرَجَهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ خَرَجَ مِنَ الْعُمُومِ، وَمَا لَمْ يُخْرِجْهُ نَصٌّ صَحِيحٌ بَقِيَ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ.
وَاعْتُرِضَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ يُبْطِلُ عِلَّةَ الْعَامِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِكَمَالِ الْإِنْصَافِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ حَتَّى يَقْطَعَ حُجَّةَ الْمُعَذَّبِ بِإِنْذَارِ الرُّسُلِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِنْصَافَ التَّامَّ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّعْذِيبِ، فَلَوْ عَذَّبَ إِنْسَانًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ لَاخْتَلَّتْ تِلْكَ الْحِكْمَةُ، وَلَثَبَتَتْ لِذَلِكَ الْمُعَذَّبِ الْحُجَّةُ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ لِقَطْعِهَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [4 \ 165] .
وَهَذِهِ الْحُجَّةُ بَيْنَهُمَا فِي سُورَةِ «طه» بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ [20 \ 134] .
وَأَشَارَ لَهَا فِي سُورَةِ «الْقَصَصِ» بِقَوْلِهِ: وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ - إِلَى قَوْلِهِ - وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [28 \ 47] .
وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ الْأَخِيرُ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي النَّقْضِ هَلْ هُوَ قَادِحٌ فِي الْعِلَّةِ أَوْ
تَخْصِيصٌ لَهَا؟ وَهُوَ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ عَقَدَهُ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ فِي تَعْدَادِ الْقَوَادِحِ فِي الدَّلِيلِ:
مِنْهَا وُجُودُ الْوَصْفِ دُونَ الْحُكْمِ ... سَمَّاهُ بِالنَّقْضِ رُعَاةُ الْعِلْمِ
وَالْأَكْثَرُونَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدَحُ ... بَلْ هُوَ تَخْصِيصٌ وَذَا مُصَحَّحُ
وَقَدْ رُوِي عَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصٌ ... إِنْ يَكُ الِاسْتِنْبَاطُ لَا التَّنْصِيصُ