ثم جاء الإسلام الدين العام الخالد فأباح الاقتصاص ومقابلة السيئة بالسيئة، ولكنه إلى جانب ذلك حَبَّبَ في العفو، وفي الترغيب في الصفح عن الإساءة في غير ما آية، فهل معنى هذا أن القرآن تأثر في هذا بالمسيحية في العفو والتسامح؟!

ومن ذلك تشريع إخفاء الصدقة، فهو أمر ليس خَاصًّا بالمسيحية، ولا بغيرها، وإنما هو من الأمور التي تتفق فيها الأديان، فهذا هو الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يقول في القرآن الكريم: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (?) فكيف بعد هذا يدعي " جولدتسيهر " ومتابعوه أن ذلك من أثر المسيحية في الإسلام.

ومن ذلك تشريع تبجيل الفقير، والتنويه بشأنه ليست مسيحية صرفة كما زعم فالإسلام، واليهودية والنصرانية تشترك في ذلك، وقاعدة المجازاة على الأعمال أمر مشترك بين الأديان جميعا وصدق الله حيث يقول: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (?). والفقير والغني في هذا سواء، وقد يبلغ الفقير بصدق إيمانه، وإخلاصه وجهاده بنفسه، وبما قل من ماله ما لا يبلغه الغني، وقد يبلغ الغني الشاكر القائم بحقوق الله وحقوق العباد ما لا يبلغه الفقير، وقد بلغ بعض أثرياء المسلمين من الفضائل، والفضيلة والسبق ما لا يبلغه غيرهم من الفقراء وذلك كالصديق أبي بكر وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليهم أجمعين، فالأمر إذا ليس أمر غنى وفقر.

وفي القرآن الكريم آيات ترفع من شأن الفقير ومنزلته عند ربه، قال تعالى في الأنصار رضوان الله عليهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (?) وقال تعالى في شأن المهاجرين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015