لا شك في تواتره، وصونه عن أي تحريف والتوراة والإنجيل في بعض التشريعات، والأخلاقيات والقصص، فهل معنى هذا أنه مأخوذ منها؟ أعتقد أن الجواب بالنفي ومما ينبغي أن يعلم أن الشرائع السماوية مردها إلى الله سبحانه، وأن العقائد، والفضائل الثابتة، والضروريات التي لا تختلف باختلاف الأزمان، ولا باختلاف الرسالات أمور مقررة في كل دين وصدق الله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (?) وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (?) وقال عز من قائل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ (?) وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .... } (?) لكن هذه الأصول، والفضائل، والأخلاقيات، والضروريات جاءت في الدين الإسلامي أوفى ما تكون وأكمل ما تكون، وأصلح ما تكون لكل زمان ومكان ولما كان الأمر كذلك فليس في العقل، ولا في الشرع ما يمنع أن تتوافق في بعض التشريعات، وفي بعض الأخلاقيات، وما حرف من الكتب السماوية السابقة لم يحرف جميعه. وقد كان القرآن الكريم - بحكم أنه سلم من التحريف والتبديل وتوفرت الدواعي والأسباب لوصوله إلى الأمة الإسلامية كما أنزله الله تبارك وتعالى مهيمنا أي شاهدا على الكتب السماوية السابقة، فما وافقه منها فهو حق، وما خالفه فهو باطل.
فمثلاً، مسألة العفو والتسامح جاءت بها النصرانية، وأكثر سيدنا عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - من الدعوة إليها وذلك ليكون بمثابة التقليل من شأن الظلم، والتعدي على الدماء والأعراض، والأموال التي بلغ فيها اليهود الغاية.