والظاهر أنَّ نهي النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كتابة الأحاديث كان خشية أنْ يلتبس على البعض بالقرآن الكريم، أو أنْ يكون شاغلاً لهم عنه ولا سيما أنَّ القوم كانوا أُمِيِّينَ، أو أنَّ النهي كان بالنسبة لمن يوثق بحفظه، أما مَنْ أمن عليه اللبس بأنْ كان قارئاً كاتباً، أو خيف عليه النسيان وعدم الضبط لما سمع فلا حرج عليه في الكتابة، وعلى هذا يحمل ما ورد من الروايات الثابتة الدالة على الإذن في الكتابة لبعض الصحابة.

روى أبو داود والحاكم وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ قَالَ: «قلت يا رسول الله: إني أسمع منك الشيء فأكتبه»، قال: «نعم»، قلت: «في الغضب والرضا؟» قال: «نَعَمْ، فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلاَّ حَقًّا» وروى البخاري عن أبي هريرة قال: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنِّي حَدِيثًا إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ , فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ , وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ». ومثل عبد الله مِمَّنْ يُؤْمَنُ عليه الالتباس، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: «كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشكا ذلك إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ. وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى اِلْخَطِّ» وروى البخاري ومسلم في " صحيحيهما ": «أنَّ أبا شاه اليَمَنِي التمس من النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يكتب له شيئاً سمعه من خطبته عام الفتح فقال: «اكْتُبُوا لأبِي شَاهٍ». وروى البخاري في " صحيحه ": «أنَّ علياً - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - سئل: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: «لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلاَّ أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ»، قُلْتُ: «وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟» قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ». وثبت أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم وغيره.

ومن العلماء من يرى أن أحاديث الإذن ناسخة لأحاديث النهي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015