وقد تحدَّث شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عن هذا الموضوع في رسالةٍ أخرى قيّمةٍ جديرة بالقراءة، وهي "رفْع الملام عن الأئمة الأعلام"؛ لعل مِن المناسب في هذا المدخل إيراد ما يهمنا منها؛ فمما قال فيها، محدِّداً لأسباب الخلاف هذه، قوله:

وبعد: فيجب على المسلمين -بعد موالاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم- موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصاً العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم. يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم.

إذ كل أمة -قبل مبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - فعلماؤها شرارها، إلا المسلمين، فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته. والمُحْيُونَ لِمَا مات من سنته. بهم قام الكتاب، وبه قاموا. وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.

وليعلم: أنه ليس أحد من الأئمة -المقبولين عند الأمة قبولا عاماً- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل.

فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن "كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولكن إذا وُجد لواحد منهم قولٌ قد جاء حديثٌ صحيح بخلافه، فلابد أن يكون له من عذر في تركه.

وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:

أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015