قضت إرادة الله أن يجعل في الأرض خليفة، يعمرها، ويسوسها، فأخبر ملائكته الذين خلقوا قبل آدم, قائلا لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} 1.
والخلافة في الأرض مقام كريم، يجعل الخليفة موصولا بمن استخلفه، وتتطلب خليفة كفؤا، يتحمل المسئولية، ويحافظ على الأمانة؛ ولذلك استشرفت الملائكة هذا المقام، ورجته لنفسها، وخافت أن يتولى الأمر من يفسد ويقتل؛ ولذلك قالوا لله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} 2.
ومصدر الخوف عند الملائكة ما رأوا من فساد الجن قبل ذلك، أو لأنهم علموا أن عنصر الطين في الإنسان ليتغلب فإنه يظلم ويدمر، أو علموا بإلهام الله لهم بعدما جرت مشيئته بذلك3.
وقالت الملائكة ما قالوه في عبودية خاشعة، لا اعتراض فيه البتة؛ ولذلك طمأنهم الله، وقال لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 4.
وهكذا أعلمهم الله بسبب اختياره آدم وذريته للخلافة، وكشف لهم حكمته في ذلك. يوضح ابن كثير هذا وهو يبين معنى الآية قال: "أي: أعلم المصلحة في خلق هذا الصنف ما لا تعلمون، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، وأوجد فيهم الصديقين، والشهداء، والصالحين، والعباد، والزهاد، والأولياء، والدعاة