ومما يؤسف أن الكثير يتلقف هذا الإفك والبهتان عن أولئك المفترين الوضاعين، دون أدنى تثبت أو تحرٍ في النقل، بل عمدته في ذلك هو مجرد التقليد الأعمى.

ومما يجدر ذكره - هاهنا - هو أن بعض الخصوم قد استغل ما وقع فيه شرذمة من الأعراب وفي زمن يسير - ممن تابع هذه الدعوة - من التشدد والجفاء، فحكموا - بغيا وعدوانا - على جميع أتباع هذه الدعوة وعلى مر الأزمان. بهذا الحكم الجائر، فرموهم أيضا بالتشدد والجفاء.

ولقد قلدهم في تلك الدعوى بعض الكتاب، فوصفوا هذه الدعوة السلفية بالتشدد والجفاء والتطرف، وجعلوا ذلك سببا في عدم قبولها وكثرة أعدائها.

وقد رد الشيخ حمود التويجري على أحد المعاصرين حين رمى أتباع هذه الدعوة بالتشدد، فكان من رده أنه قال:

(التشدد الذي أشار إليه إنما وقع في بعض الأعراب في زمن يسير، فأما الحاضرة وكثير من البادية فكانوا على الطريقة السلفية، ولم يكن فيهم تشدد كما يزعمه بعض الناس. فإطلاق التشدد على العموم متعقب على من ادعاه كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بحال أهل نجد) 1.

وسبب ثالث أدى إلى كثرة تلك المؤلفات المناوئة للدعوة السلفية، وهو النزاعات السياسية والحروب التي قامت بين أتباع هذه الدعوة وبين الأتراك من جهة، وبين أتباع هذه الدعوة والأشراف من جهة أخرى. وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا العامل الخطير وما ترتب عليه من تلك المطاعن والمفتريات والشبهات.

يقول محب الدين الخطيب- رحمه الله- مشيرا إلى ذلك:

(كان الأستاذ الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه يستعيذ بالله من السياسة ومن كل ما يتصرف منها، لأنها إذا احتاجت إلى قلب الحقائق وإظهار الشيء بخلاف ما هو عليه اتخذت لذلك جميع الأسباب، واستعانت على ذلك بمن لهم منافع شخصية من وراء إعانتها، فتنجح إلى حين في تعمية الحق على كثير من الخلق. ومن هذا القبيل ما كان يطرق آذان الناس في مصر والشام والعراق وسائر بلاد الشرق الأدنى في المائة السنة الماضية من تسمية الدعوة التي دعا بها الشيخ المصلح محمد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015