فليس هذا الذي بينه للناس الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- في النهي عن دعوة أهل القبور والتبرك بالأشجار والأحجار، فهمه من تلقاء نفسه دون أن يفهمه أحد من علماء هذه الأمة. بل إن العلماء كلهم من جميع المذاهب مطبقون على النهي عنه، والإنكار، والتغليظ على من فعله من الجهال وهم مجمعون على وجوب تغيير ما قدروا عليه من ذلك) 1.
ويبين الإمام عبد العزيز الأول معنى حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فيقول:
(وهو حديث ثابت باتفاق أهل العلم يتلقى بالقبول عنهم، وهو إن كان معناه لا تشدوا الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى الثلاثة التي قد ذكرت، فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة إنما هو للصلاة، والدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، والاعتكاف الذي هو من الأعمال الصالحة، وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم، حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة، ولا يشرع شد الرحال إليه من بعيد، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليه كل سبت ماشيا وراكبا، وكان ابن عمر يفعله كما في الصحيح.
وإذا كان السفر المشروع لقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه، ودخلت زيارة القبر تبعا؛ لأنها غير مقصودة استقلالا، فحينئذ فالزيارة مشروعة مجمع على استحبابها بشرط عدم فعل محذور عند القبر.
واتخاذ قبور الأنبياء، والأولياء مساجد هو الموقع لكثير من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم كود وسواع ويغوث، وتماثيل طلاسم الكواكب، ونحو ذلك) 2.
ويذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ما فعلوه أثناء دخولهم مكة المكرمة سنة ثمان وعشر ومائتين وألف من الهجرة (1218هـ) ، فكان مما قاله:
(فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفع