في الغيبة، وبعد الممات؛ لأن هذا كرامة، والكرامة يدعى صاحبها وينادى..
والجواب أن يقال: عبادة الله وحده لا شريك له وإفراده بالدعاء والطلب فيما لا يقدر عليه إلا هو، دلت على وجوبها الكتب السماوية، واتفقت عليها الدعوة الرسالية، وهي أصل الدين وقاعدته لا يعتريها نسخ ولا تخصيص.
وهو سبحانه المختص بالخلق والرزق اللذين هما أصل المخلوقات وقوامها، فكيف يعارض هذا الأصل بمثل هذه الأوهام الضالة.
هذا لو سلم أن الكرامات سبب، وأن هذا المثال فيه إثبات الكرامة، فكيف والأمر بخلاف ذلك بإجماع أهل العلم، والمقدمتان كاذبتان؛ لأن الكرامة فعل الله تعالى لا فعل للولي فيها، ولا قدرة له عليها ولا تأثير.
كما أن أكثر المفسرين على غير هذا، فمنهم من قال إن هم يوسف من جنس الخطرات، والواردات التي لا تستقر، وليست بعزم فتركها..) 1.
ويذكر الحازمي شيئا من هذا الغلو والابتداع عند هؤلاء الخصوم، ويجعلونه ضمن معنى الكرامة:
(وليس معنى كرامة الولي أن يبنى قبره، ويتصل بالمسجد، ويعتنى به أكثر من المسجد، ويبخر وينقش جداره، وتعلق فيه الألواح المنقوشة والقناديل ... فهذه الأمور لا تسمى كرامة ولا يكرم الله عبدا بمحرم، وهذه محرمات وإضاعة مال، وتقرب إلى الله باقتراف كبائر ... ) 2.
ويورد عبد الظاهر أبو السمح صورة من صور ضلال من غلى في القبور، فيقول في "الرسالة المكية".
(ومن خبل عباد القبور، إنك إذا ذكرت الله وحده لهم وقلت: ادعوه وحده، ولا تلتفتوا إلى سواه، اشمأزت قلوبهم، وغضبوا غضبا شديدا، وعدوا ذلك تنقصا لأوليائهم الذين لم تثبت ولايتهم ولا بنصف دليل، ولا شبه خبر صحيح، وقالوا: ينكر الكرامات، في حين أنهم بدعاء غير الله ينتقصون ربهم، وبالتفاتهم عنه سبحانه يقعون في عار كبير، وظلم عظيم لو فطنوا) 3.