وهذه الآيات والمعجزات لاشك أنها حجة قاطعة على صدق رسالته ونبوته؛ لأن خرق العادة ومخالفة قانون الطبيعة، وتغير ناموس الحياة لا يمكن أن يفعله مخلوق، بل لا يكون إلا من الخالق للعادة سبحانه، والله تعالى لا يخرق العادة لكاذب، بل إنما يؤيد بها مرسليه للتدليل على صدقهم في دعوتهم، كما حصل من قلب النار بردا وسلاما على إبراهيم، وقلب عصى موسى إلى أفعى، وإحياء الموتى لعيسى، وغير ذلك من الآيات؛ لذلك كان القوم إذا أرسل إليهم أحد، أو ادعى النبوة قالوا: { ... لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ... } [البقرة:118] ، {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ..} [الأنعام:37] {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا..} [الأنعام:109] {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ ... } [يونس:20] .
ولهذا كان من أنكر الآية بعد أن رآها في غاية من الكفر ومستحقا للعذاب؛ كما قال تعالى عن صالح: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود:64] .
وقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} [الأنعام:124] .
وقال جل جلاله: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211] ، يعني أن رؤية هذه الآيات لا تُبقي لأحد حجة.
من هذه الآيات والمعجزات - غير معجزة القرآن التي سنتكلم عنها مفصلة -:
1-خطاب الأشجار والأحجار وانقيادها للنبي (:
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ (بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ - أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ (?) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ.» (?) .
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَام - ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ جَالِسٌ حَزِينٌ، قَدْ خُضِّبَ بِالدِّمَاءِ، قَدْ ضَرَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ جبريل: محمد مَا لَكَ؟ قَالَ: «فَعَلَ بِي هَؤُلاءِ وَفَعَلُوا» . قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: «نَعَمْ أَرِنِي» . فَنَظَرَ إِلَى شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي قَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ. فَدَعَاهَا فَجَاءَتْ تَمْشِي حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: قُلْ لَهَا فَلْتَرْجِعْ. فَقَالَ لَهَا فَرَجَعَتْ حَتَّى عَادَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «حَسْبِي حسبي» (?) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ قَالَ: «إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنْ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى النَّبِيِّ (، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ» . فَعَادَ فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ (?) .