إن نظرة سريعة نلقيها على مؤلفات علم الأخلاق العام -التي كتبها علماء غربيون- كافية لنلحظ فيها فراغًا هائلًا وعميقًا, نشأ عن صمتهم المطلق عن علم الأخلاق القرآني.
والواقع أن هذه المؤلفات تذكر لنا باختصار، أو بإفاضة، المبادئ الأخلاقية، كما ارتأتها الوثنية الإغريقية، ثم أديان اليهودية والمسيحية. ولكنها حين تنتهي من عرض هذه المراحل الثلاثة، نجدها تنقلنا بغتة إلى العصور الحديثة، في أوروبا، مغفلة كل ما يمس الدستور الأخلاقي في الإسلام.
وبرغم هذا، فإن الإضافة القرآنية في هذا الباب ذات قيمة لا تقدر، ولسوف يفيد منها تاريخ النظريات الأخلاقية سعةً، وعمقًا، وتوافقًا، كما تفيد المشكلة الأخلاقية ذاتها منها، في حل مصاعبها، سواء في ذلك المصاعب المتجددة والدائمة.
أليست إذن خسارة ضخمة أن يغفل أمر نظرية كهذه، وأن يلفها الصمت؟
والحق أنه لو أننا -بدلًا من أن نبحث في هذه المؤلفات عن علم الأخلاق العام- لجأنا إلى الكتب الأوروبية، التي تعالج مسائل الإسلام بخاصة، فسوف نجد أن محاولات قد تمت خلال القرن التاسع عشر، من أجل استخراج المبادئ الأخلاقية من القرآن، بيد أن إطار هذه المحاولات، كان في الغالب محدودًا، كما كان مضمونها بعيدًا عن المطابقة الدقيقة للنظرية القرآنية الحقة.