واحدة: إنها لا ترى أن النقص من ناحية مُعوَّض بالزيادة، وفيض الزيادة من الناحية الأخرى1.

والواقع أن هدف جهد القديس أو الصالح ليس: أن يتحاشى الكبائر، ويتحفظ من السقوط في "قاع" الأخلاق، بقدر ما هو: أن يتحاشى التوقف عند درجة من الكمال أية كانت، وأن يصعد دائمًا إلى أعلى، في الطوابق العليا.

فالأخلاق عند القديسين ليست حربًا، بل هي بالأحرى حياة، بكل ما تضمه الحياة من صراع في المسيرة وفي التقدم؛ ولذلك يشعرون أثناء فترات راحتهم القصيرة بأنهم منادون إلى أن يبدءوا العمل، وهذا النداء الباطن يرتدي في القرآن شكل دعوة صريحة إلى النبي, صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} 2.

وهكذا يتضح أننا أبعد ما نكون عن القول بأن أي مخلوق، مهما كان, يمكن أن يُعفى نهائيًّا من الكفاح؛ بل إننا نرى كيف ينفتح أفق لا حد لرحابته أمام الأنفس الطاهرة المخلصة كيما تبذل جهدها. فحتى لو انتهت مقاومتنا ضد الأهواء المضادة للشرع، فإن علينا أن نقهر خمود المادة، وأن ننتصر على تثاقل الفطرة؛ كيما نحلِّق في آفاق تزداد على مر الزمن رقيًّا.

ومن هنا تنبع هذه النتيجة التي لم يسبق إليها أحد، والتي تبدو في الظاهر متناقضة: إن "القداسة" بدلًا من أن توضع خارج الأخلاق، سوف تكون -بالعكس- "الأخلاقية بأجلى معانيها". وتلك على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015