لا تعد من المسلمات فحسب، بل إنها لتتفق تمامًا -فيما نرى- مع النظرية المستخلصة من القرآن.
لقد علمنا هذا الكتاب أن النفس الإنسانية قد تلقت في تكوينها الأولي الإحساس بالخير وبالشر: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} 1. وكما وهب الإنسان ملكة اللغة، والحواس الظاهرة، فإنه زود أيضًا ببصيرة أخلاقية: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} 2.
ولقد هُدي الإنسان طريقي الفضيلة والرذيلة: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} 3، حقًّا {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} 4. ولكن الإنسان قادر على أن يحكم أهواءه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 5.
وإذا لم يكن كل الناس يمارسون هذا التأثير على أنفسهم فإن منهم من يفعله بتوفيق الله له، وهو ما قرره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل له واعظًا من نفسه، يأمره وينهاه" 6.
ففي الإنسان إذن قوة باطنة، لا تقتصر على نصحه، وهدايته وحسب، بل إنها توجه إليه بالمعنى الصريح أوامر بأن يفعل، أو لا يفعل.
فماذا تكون تلك السلطة الخاصة، التي تدعي السيطرة على قدراتنا الدنيا، إن لم تكن ذلك الجانب الوضيء من النفس، والذي هو العقل؟