فأما أن يكون ذلك الكتاب قد تحدث في الوقت نفسه عن أسس النظرية الأخلاقية -فذلكم هو السؤال الأول الذي طرحناه في دراستنا هذه، والذي خصصناه بأعظم قدر من جهدنا.
وإنا لنعتقد أن بوسعنا أن نعلن منذ الآن أننا قد وجدنا لهذا السؤال إجابة واضحة، وإيجابية تمامًا.
إن القرآن لا يكتفي في الواقع بأن يضع قاعدة السلوك، على وجه أكثر شمولًا وتفصيلًا، كما لم يفعله أي تعليم عملي، فقد وجدناه يرسي تحت هذا البناء الضخم قواعد من المعرفة النظرية أعظم متانة وأشد صلابة. ولتطرح عليه مثلًا السؤال التالي:
على أي أساس ترتكز شريعة الواجب القرآني؟
ومن أي معين تستقي سلطانها؟
ولسوف يجيبك: بأن التمييز بين الخير والشر هو إلهام داخلي مركوز في النفس الإنسانية، قبل أن يكون شرعة سماوية؛ وبأن الفضيلة -في نهاية المطاف- إنما تتخذ مرقاتها من طبيعتها الخاصة، ومن قيمتها الذاتية، وبأن العقل والوحي -على هذا- ليسا سوى ضوء هادٍ، مزدوج لموضوع واحد، وترجمة مزدوجة لواقع واحد أصيل، تمتد جذوره في أعماق الأشياء.
واسأله بعد ذلك: عن صفات هذه الشريعة، وامتداد سلطانها؟
ولسوف يقول لك: إنها شريعة عامة، وأبدية، تكفل للبشرية مطامحها المشروعة، ولكنها تعترض بكل وضوح وتأكيد على شهواتها الجامحة، والمتحكمة.
وزد في سؤاله عن المسئولية الإنسانية، وعن شروطها، وحدودها، وعن الوسيلة الناجعة لكسب الفضيلة، وعن المبدأ الأسمى الذي ينبغي أن يحد الإرادة عن العمل؟