ولذلك بدا لنا من الضروري أن نتناول الموضوع من جديد، وأن نعالجه تبعًا لمنهج أكثر سلامة، من أجل تصحيح هذه الأخطاء، وملء هذه الفجوة في المكتبة الأوروبية1، وحتى نُرِيَ علماء الغرب الوجه الحقيقي للأخلاق القرآنية، وذلكم في الواقع هو هدفنا الأساسي من عملنا هذا.
بيد أننا بالرجوع إلى مكتبتنا الإسلامية نفسها، لاحظنا أنها لم تعرف حتى الآن سوى نوعين من التعاليم الأخلاقية: فهي إما نصالح عملية، هدفها تقويم أخلاق الشباب، حين توحي إليهم الاقتناع بالقيمة العليا للفضيلة2، وإما وصف لطبيعة النفس وملكاتها، ثم تعريف للفضيلة وتقسيم لها، مرتب في غالب الأمر بحسب النموذج الأفلاطوني، أو الأرسطي3، وكثيرًا ما نرى المنهجين يتعاقبان في قلم كاتب واحد4، وإذن فلم يكن هنالك سوى كتب إنسانية محضة، أجهد مؤلفوها أنفسهم، فاستودعوها ثمرات تأملاتهم، ودراساتهم الفلسفية، ولم يظهر فيها النص القرآني كلية، أو هو لا يكاد يظهر إلا بصفة ثانوية.
فلم تكن الأخلاق القرآنية إذن الموضوع الرئيسي للدراسة، والتقنين، لدى المسلمين أو المستشرقين، لا من الناحية النظرية، ولا من الناحية العملية.