فالمسلم صادق في قضية الولاء والبراء، ولا يمكن أن ينتهي إلى الباطل وأهله، والتساهل في هذه القضية من أعظم أسباب انتشار الفتنة بين المسلمين، ومن أعظم الخطر عليهم، فإن اختلاط الخير بالشر مما يلبس فيه على الكثيرين، ومما تقبل به دعاوى أهل الباطل من أجل ما عندهم من الحق، وقد خرج أبونا آدم من الجنة بقسم باطل؛ لأنه ظن أنه لا يقسم أحد بالله كاذباً، فغره الشيطان بالله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]، فلما وجده يقسم بالله ظن فعلاً أنه ناصح، وذلك تعظيماً من آدم لأمر الله سبحانه، ونسي ما أخبره الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117]، ولا يقبل قول ناصح قط إلا بشيء من الحق معه، وإلا فالناس قد فطروا على قبول الحق ورد الباطل كما فطروا على حاجتهم إلى الماء والهواء.
والشرك والباطل يدخل إلى الأمم من اختلاط الخير بالشر، فقوم نوح ظهر فيهم الشرك بسبب أمرين: الأول أمر من الخير وهو حب الصالحين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، والثاني: البدعة الضلالة من اتخاذ التماثيل تذكاراً لهم، ثم كان بعد ذلك عبادتها من دون الله حباً لهم، وعلى أنهم وسطاء بينهم وبين الله عز وجل، وهكذا كانت عبادة اللات والعزى على أنها ملائكة الله التي تشفع لهم عند ربهم، وهم يتقربون بعبادتها إلى الله سبحانه وتعالى، فقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].
فظهر بذلك أنهم يريدون التقرب إلى الله ولكن ما نفعهم ذلك، فتبين أن ما يدعو إليه الشيطان من الشرك يكون عن طريق النفاق الذي يظهر أصحابه الشهادتين، ولكنهم يدعون إلى أنواع الكفر والضلال، وكذا أنواع الشرك كعبادة القبور فإنه يسول لهم أن في هذا حباً للصالحين، وحباً لأهل البيت، وهذا حق لاشك فيه، كما أن عبادة غير الله سبحانه وتعالى شر لاشك فيه، وكذلك يزين الشيطان للكثيرين الوقوع في البدع بزعم حب التقرب إلى الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا جابه إنسان واحداً من أهل البدع وقال له: كيف تقع في هذه البدعة ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم؟ زعم أنك لا تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لا تحب أهل البيت، أو أنك تكره الصالحين وتعاديهم، فهكذا يكون اختلاط الخير بالشر سبباً لضلال الإنسان؛ فإن الشيطان لا بد أن يضع في السم شيئاً من العسل وإلا ما استساغ مرارة السم أحد.
نسأل الله أن يعافي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يحفظ عليهم الإسلام نقياً صافياً حتى يلقوا ربهم سبحانه وتعالى وهو راض عنهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اليهود والنصارى والمنافقين وسائر الكفرة والملحدين أصحاب الضلالة ودعاة السوء.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين.
اللهم نج المستضعفين من المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين.
اللهم نج المستضعفين من المؤمنين والمسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم انصر المسلمين في الهند وبورما وكشمير والفلبين وأرتيريا ومصر والجزائر، اللهم انصر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هداة مهتدين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم أنزل بأعداء المسلمين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم لا تجعل لهم على المؤمنين سبيلاً، اللهم فك شرهم عن المسلمين فأنت أشد بأساً وأشد تنكيلا، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين والمسلمين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.