إن العبودية لله عز وجل ليست مجرد تكاليف شاقة وأموراً صعبة، بل هي اللذة التي لا ينال العبد سعادة بدونها، وهي من دقائق نعيم أهل الجنة، فإنما صارت الجنة جنة للقرب من الله عز وجل، وإنما صارت محل السعادة لأنه سبحانه رضي عن أهلها وأرضاهم، وكلما عملت بمرضاة الله في الأرض نلت شيئاً من هذا النعيم، وكلما تقربت إلى الله بأنواع القربات قربك الله عز وجل إليه؛ فشعرت بالراحة، ورزقك محبته، ورزقك من نعيم مناجاته ولذة الشوق إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم جامعاً بين الأمرين: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك) فهذا في الآخرة (والشوق إلى لقائك) فهذا في الدنيا (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) أي: إنما تكون الفتن ملهية عن الشوق إلى الله عز وجل إذا أضلت العبد، فإذا كان الإنسان بعيداً عن الفتن وجد لذة الشوق إلى الله، كما أنها قرينة لذة النظر إلى وجه الله في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كليهما من باب واحد، وهو باب القرب والحب لله سبحانه وتعالى، ولا يصلح غير الله من أهل أو مال أو ولد أو حجر أو شجر، أو كبير أو زعيم أو ملك أو درهم أو دينار مما يحبه الناس، بل لابد أن يغيب ولا بد أن يأفل ولابد أن يبتعد عن الإنسان، إما أن يموت هو وإما أن يموت الإنسان عنه، وإما أن يبتعد عنه في حياته فيشقى به بحبه وبالبعد عنه، ولا يسعد العبد ولا يصلح قلبه إلا بحب الذي لا يغيب سبحانه وتعالى.