لا شك أن الصلاة في المساجد أفضل من الصلاة في البيوت في الفريضة، وهذا الذي يؤمر به في الفرائض كلها إذا أمكن ذلك، ولكن قال النبي صلى الله وعليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً).
فالبيت الذي ليس فيه صلاة كالقبر لا يصلى فيه؛ لأن القبور لا يصلى فيها، فينبغي لأهل الإيمان أن يكثروا من الصلاة في بيوتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة).
وإذا كنت أيها المسلم تتشوق إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشد الرحال للصلاة هناك، فهي عبادة وقربة لله عز وجل إذ (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، -قال النبي صلى الله عليه وسلم- ومسجدي هذا).
فإذا كان الإنسان يشد الرحال والمسافات البعيدة، ليصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يمكنه أن يحصل على أفضل من صلاته في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النافلة، وهو أن يصلي في بيته، حيث ذلك أقرب إلى الإخلاص، وإلى الخشوع، وإلى أن ينزل الله عز وجل السكينة على أهل البيت، ويدفع عنهم السوء، وتتربى الأمة تربية عبادية تختلف عن تلك التربية التي يكون الناس فيها أمام بعضهم بعضاً، فكلنا يحتاج إلى ذلك بلا شك، قال تعالى: ((وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً))، وكلا التفسيرين معناه صحيح، والأمر الذي دل عليه وهو: اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضاً لتتوثق العلاقة بينهم، وتزداد الأخوة فيما بينهم، وأن يصلوا في بيوتهم، ويكثروا من العبادة، كلا الأمرين من أعظم أسباب إزالة سلطان الكفرة والمجرمين وأعداء الدين.
فهذه واجبات مرحلة الاستضعاف التي قدر الله عز وجل أن يمر بها أهل الإيمان، وأن تمر بها الطائفة المؤمنة وذلك لحكمته البالغة؛ لكي يتعبد أهل الإيمان بأنواع العبادات، ولكي يتضرعوا إلى الله سبحانه وتعالى، ولكي يخلصوا له وحده، ولكي تتعلق قلوبهم به سبحانه وتعالى دون من سواه، ولكي تنقطع الأسباب أمامهم فلا يجدون مفراً ومهرباً إلا إلى الله عز وجل، قال تعالى: {لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:118].