الأمر بلزوم الجماعة عند الفتن

ثم قال حذيفة: (فما تأمرني؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) وهذا أمر عظيم الأهمية، فإن الإنسان بارتباطه بأهل الخير غالباً ما ينجو من الشر وأهله بإذن الله، ومن خرج بنفسه يظن أنه بعيد عن أهل الباطل فإنه في الغالب يقع في أسرهم، فعليكم بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والشيطان ذئب الإنسان، فإذا كان الإنسان بعيداً عن أعوان الخير منفرداً بطريق نفسه أدركه أعداؤه وأسروه وأخذوه معهم، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم.

والإمام: هو الخليفة إن وجد، وإلا فإن وجدت الجماعة دون وجود الخليفة فليلزم أهل العلم منهم، وليكن معهم؛ فإن هذه الأمة لا ينقطع منها الخير، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي تقاتل عن هذا الدين حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، أو حتى تقوم الساعة)، وقال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله حتى يقاتل آخرهم الدجال).

وقد أتت أحاديث متواترة أن الخير لا ينقطع من الأمة، وأنه لا تزال طائفة منها على الحق، فإن فقد فقدت الخلافة -كما هو واقع- فإن أهل السنة بحمد الله لا ينقطعون من الأرض كلها.

وإذا فقد أهل السنة أئمتهم من الخلفاء وجب عليهم أن يرجعوا إلى أئمتهم من العلماء، إلا أن يجد الإنسان نفسه في أرض جذعاً، ولا يجد أعواناً على الخير، فهنا سأل حذيفة فقال: (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟)، واشترط شرطين: ألا يكون لهم جماعة، وألا يكون لهم إمام، فهذا الذي قد يحصل لبعض الأفراد لا أنه يقع للمسلمين ككل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: (لا تزال طائفة تقاتل عن الإسلام)، (ولا تزال طائفة قائمة بأمر الله من أمته)، وإنما يقع للبعض حين لا يجد في بلد أو في مكان ما أعواناً على الخير، ولا يجد إلا دعاة على أبواب جهنم من الفرق الضالة؛ فإن لم يجد إلا أحزاب الضلالة فلا يجوز له أن ينتسب إليهم، أو يكون معهم مدعياً أنه على الخير الذي عندهم مما يظهرون من أنهم يتكلمون بألسنتنا، وأنهم من جلدتنا، وأنهم في جثمان إنس، فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه، بل لابد أن يعتزل الشر وأهله، وهذه مرتبة واجبة لا بد منها للمؤمن؛ حتى يكون بعيداً عن متابعة أهل الباطل، ولو كان ذلك بأن يعتزل في الصحاري، وأن يعض على أصل شجرة فيموت وهو عاض عليه خير له من أن يتبع واحداً منهم.

إننا نحتاج إلى معرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الخير والشر حتى لا نقع فريسة للدعاة على أبواب جهنم، وحتى نعرف أن من سبل نجاتنا التقارب مع أهل الحق، ومن قوة الرابطة بين المؤمنين ومن وحدتهم ومن بيان ما يلزمهم: أن يكونوا على منهج الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أئمة العلم أجمعوا على لزوم اتباع ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان لما شهد القرآن لهم بذلك، كما قال عز وجل: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} [البقرة:137]، وقال عز وجل: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:117]، وقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه ُ) [التوبة:100].

وهذا المجمع عليه بين أهل العلم من لزوم اجتماع الناس على ما كانت عليه الجماعة الأولى هو سبب النجاة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: ومن هم؟ قال: هم الجماعة)، وفي الرواية الأخرى: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهي صحيحة المعنى بلا شك.

نسأل الله أن يعيذنا من الشر، وأن يوفقنا للخير، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015