قال حذيفة: (فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن)، وكان هذا هو اجتماع المسلمين بعد مقتل علي رضي الله تعالى عنه رابع الخلفاء الراشدين على معاوية رضي الله تعالى عنهم إماماً للمسلمين جمعاً للكلمة بعد أن تنازل السيد الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهو ما زال طفلاً صغيراً: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين)، فتنازل هذا السيد الجليل الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه عن الخلافة لـ معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما من أجل جمع كلمة المسلمين، فسمي عام أربعين للهجرة: عام الجماعة؛ لاجتماع كلمة المسلمين، ولم يكن هذا بالنسبة إلى ما سبقه من الخير الأول خيراً محضاً، وإنما كان بدخن فيه، وهو دخن ما جرى من بعض الأمراء خاصة بعد زمن معاوية رضي الله تعالى عنه، وما جرى بعد ذلك في زمن بني العباس وغيرهم من دخن كثير، وذلك ما وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (تعرف منهم وتنكر، قوم يهتدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي) فهذا الدخن شيء من الشر مدخول في هذا الخير، لكنه خير بالجملة، فقد كان الجهاد في سبيل الله في هذه الفترة قائماً لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.
ورغم ما وقع من الفتن والمنكرات ما كان أعداء الإسلام ليصلوا إلى المسلمين، ولا كان يخطر ببالهم أن يفكروا في أذيتهم؛ لأنهم يعلمون شدة بأسهم، وفي هذا العام فتحت بلاد كثيرة، ووصل الإسلام إلى أقاصي الأرض شرقها وغربها، واستمرت الفتوحات إلى أن وصلت بحمد لله تبارك وتعالى إلى حدود فرنسا، وفتحت الأندلس، وأقيمت دولة الخلافة واحدة في الأرض كلها من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، والحمد لله رب العالمين.
وكان الحق ظاهراً -بحمد لله تبارك وتعالى- في أكثر الأحوال، وهو بالنسبة إلى ما يأتي بعده من الشر خيرٌ لكنه خير فيه دخن لعدم الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الاهتداء بهديه، وكما قال عليه الصلاة والسلام: (تعرف منهم وتنكر)، ففيهم المعروف وفيهم المنكر، والمعروف موجود وظاهر، يوجد من أهل العلم من ينكره بلسانه أو بيده على حسب الشروط الشرعية والضوابط التي بينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.