وقد ذكر أن بغياً من بغايا بني إسرائيل، بُغي أي: مدمنة على الزنا، يعني: فاجرة كما نسمع الآن مثلاً بالنساء الفاجرات، فالشاهد: أنها مرت بكلب يأكل الثرى من شدة العطش، والله يعلم أن في قلبها رحمة بهذا الكلب، فنزلت فملأت موقها من الماء وسقت هذا الكلب، فشكر الله لها فغفر لها، سبحان الله! فما بالك بإنسان يعمل المعاصي، لكن عنده رحمة ببعض خلق الله سبحانه وتعالى؟! فقد يغفر الله له هذه الذنوب الكثيرة، فلا تقل: فلان هذا لابد أن يدخل النار أو هذا لابد أن يدخل الجنة، فإنَّ الله عز وجل يفعل في خلقه ما يشاء، وبالعدل يفعل، ولا يظلم الناس شيئاً، فالناس بين الفضل والعدل، ففضله على أهل الإيمان، وعدله عز وجل مع أهل الكفر والفسوق والعصيان.
نسأل الله أن يعاملنا بفضله، وأن يجعلنا من أهله سبحانه وتعالى، وهو عز وجل الحكم العدل يفعل ما يشاء، فلا تقنط من رحمة الله، وإذا كنت صاحب ذنب فبادر بالتوبة الآن؛ لأنك لا تدري متى يختم لك، وإذا تبت إلى الله عز وجل قبل الموت فقد تبت من قريب، فالله عز وجل يغفر لمن عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب، وكل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب، لكنك لا تدري متى ستموت وبأي أرض؛ لأن الله هو الذي يعلم بأي أرض تموت النفس، فبادر بالتوبة واترك التسويف.
فمن ثمرات الإيمان بعلم الله أيضاً: أن تعلم أن الله عز وجل هو الذي يعلم متى تموت النفوس؛ لأن ذلك من مفاتيح الغيب الخمس فلا تسوف؛ لأنك لست ضامناً لعمرك، فمن الناس من يقول: سأتوب بعد سنة أو بعد سنتين، ومنهم من يقول: سأتوب غداً، أو سأعمل الصالحات غداً، وما يدريه أنه سيعيش إلى غد؟ فالله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ذلك.
فهذه من ثمرات الإيمان بكتابة المقادير، فقد كتب للإنسان وهو جنين في بطن أمه الأجل والرزق والعمل والشقاوة والسعادة وكذا الخواتيم التي يختم بها للإنسان؛ ولذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أخبرهم بالكتاب قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، ولذلك فعندما نسأل: هل الإنسان مسير أم مخير؟ نقول: إنه ميسر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ميسر لما خلق له)، وميسر هذه تثبت له إرادة وقدرة، وتثبت أن إرادة الله فوق إرادته ومشيئة الله فوق مشيئته، وهذا الأمر يكون الحديث عنه في قضية أثر الإيمان بالقدرة والإرادة الإلهية، وأثر الإيمان بخلق الله لأفعال العباد.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.