والإنسان إذا آمن بالرزق أنه مكتوب لم يبع دينه بعرض من الدنيا، ولم يقل: أنا أعمل بغير إرادتي ولم أجد إلا الحرام -والعياذ بالله- ولم أجد غير الرشوة، ولم أجد غير الربا، فإن ذلك لا ينبغي، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم) إذاً: لابد أن تتقي الله؛ ليجعل لك مخرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب، ولا تقلْ: إني لا أجد غير الحرام، ولكن اطلب الطلب الجميل، واطلب الرزق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن القعود في البيت والركون إلى الغير والتقاعس عن الطلب فقال: (أجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم)، وهذا أمر عظيم الأهمية في حياة الإنسان، وتأمل كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس على مثل هذا المعنى، مرتبطاً بقضية القضاء والقدر، قال: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، إذاً: فالمعتقد الصحيح أن الناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً، فلماذا يداهنهم ويرائيهم ويسمع لهم؟ فسيصغرون في نفسه ويرتفع عن الأرض بآيات الله عز وجل ومعاني الإيمان العظيمة، فلا يهمه الناس ولا يعبأ بهم رضوا أو سخطوا، كما قال ابن مسعود: إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره.
فمن ضعف اليقين بالقدر أن تذم الناس على ما لم يؤتك الله، تقول: فلان أمره إلى الله لأنه جعل هذا الشيء لا يصلني، إذاً: لماذا تذمه؟ هل هو يظن أنه هو الذي أغلق عليك باب الرزق؟ بل هذا أمر الله سبحانه وتعالى، وكذلك قول بعض الناس: أنت سوف توقف رزقي، فهل الرزق يقف؟ إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره، ولا يوجد أحد يوقف رزق أحد، وإذا كان هو اغتصب حقك فلن يأكل رزقك؛ لأن رزقك من عند الله، وإن ظلمك وأكل مالك، وإن كان رزقه حراماً، لكنه رزق كذلك، لكن لا تقلْ: أكل رزقي، فاتق الله سبحانه وتعالى ولا تظنَّنَّ أن الناس يملكون لك ضراً أو نفعاً.