هناك فرق بين الكراهية والإكراه، فليس كل كاره يكون مكرهاً، فالكراهية عمل من أعمال القلب، والإكراه لا بد فيه من ضرر معتبر شرعاً يقع على الإنسان، سواء كان في نفسه أو في ماله أو عرضه بما يتناسب مع الأمر المكره عليه، فإذا غلب على ظنه أنه يوقع به ذلك الضرر أو تيقن وعلم أنه لا يقدر على ذلك، وعجز عن التخلص ولو بالفرار، وكان الإكراه فورياً، وكان قلبه مطمئناً بالإيمان، جاز له أن يفعل ما طلب منه ولو أن ينطق بكلمة الكفر، ولم يجز له أن يعتدي على مسلم؛ لأن حق أخيه ليس بأقل من حقه، فأنت لا تفدي نفسك بأخيك، ومن هنا أجمع العلماء كما نقل القرطبي على أنه لا يصح الإكراه على قتل مسلم، ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، بل لا يصح الإكراه على قتل معصوم ذمي مثلاً؛ لأن الإكراه إنما هو فيما بينك وبين الله في حقوق الله عز وجل، كما لو أمروك أن تسجد لصنم، فانو السجود لله، ولو كان لغير القبلة، ولا يستطيعون منك غير ذلك.
أما أن تكره على انتهاك عرض مسلم أو أذيته بضرب وتقول: ماذا أصنع إنما أنا عبد مأمور، فهذا الأمر لا عذر فيه بالإكراه، بل الإنسان مسئول عن تصرفاته في ذلك، فإن أتى كفراً فهو كافر، وإن أتى معصية فهو عاصٍ، فأحياناً يطلبون منه أذية مسلم بضربه، وأحياناً يطلبون منه ما هو أشد من ذلك، كأن يقولوا له: كل من وجدت من المسلمين فاقتله مثلاً، أو فحاربه، أو كل مظهر من مظاهر الإسلام فحاربه، فهذا إن أطاع في ذلك لا يكون مكرهاً.
وكذلك هناك فرق بين الكراهة والإكراه؛ إذ إن هناك من لا يكره، ولكن يحرج ويكون كارهاً للأمر ويتمنى ألا يقع، وهولم يهدد ولم يرغم على ذلك، فيختار الكفر والعياذ بالله، وهذا قلبه ليس مطمئناً بالإيمان، كالرجل الذي دخل النار في ذباب، فإنه إنما دخل النار في ذباب بمجرد أن طلبوا منه ذلك قدم الذباب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مر رجلان على صنم لا يجوزه أحد إلا قرب شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: لا أجد شيئاً أقرب، قالوا: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب شيئاً لأحد دون الله، فضربوا عنقه فدخل الجنة)، فهذا يدلنا على أنه ليس بمجرد الطلب ولا بمجرد العرض تقبل أن تقع في الكفر.