أما البراء المحرم فهو البراءة من المسلمين لأجل إسلامهم وطاعتهم لله عز وجل، كما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية النفاق بغض الأنصار)، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ: ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق).
فمن أبغض المؤمنين لإيمانهم وأبغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو شيئاً منه، أو أبغض الملتزم بالطاعة لأجل التزامه بها، فهذا لا يكون مؤمناً، بل هذا كافر أو منافق؛ وذلك لأن بغضه ذلك يدل على بغضه للطاعة وبغضه لأمر الله سبحانه وتعالى، وهذا لا يصدر من مسلم أبداً، كمن تجده مثلاً يحب إنساناً ويتعامل معه بالحسنى، فإذا علمه محافظاً على الصلاة أو تالياً لكتاب الله بدل المجلات العارية، أو أنه يذهب إلى مجالس العلم بدلاً من أن يذهب إلى السينما ونحوها، اتخذ منه موقفاً عدائياً، وكره ذلك منه، فهذا البغض محرم.
وإذا كان البغض من أجل موقف دنيوي فإنه لا يجوز، ويدخل في المحرمات لا في الكفر والنفاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا)، فلا يجوز أن نتباغض على الدنيا، ولا يجوز أن نتباغض من أجل فوات حظ منها، فكيف بمن يبغض إنساناً لأجل أنه رآه يصلي! فهذه كراهية للصلاة، أو أن يبغض امرأة محجبة لأنها تحجبت، وقد علمتم قصة تلك التركية التي دخلت البرلمان وهي متحجبة، وقامت الدنيا ولم تقعد، وأخرى في تركيا أيضاً طردوها من الكلية، بل حرموها من الجنسية، وقالوا: لا يجوز أن تكون هذه المرأة من الأمة التركية؛ لأنها تحجبت، فلا يمكن أن يكون هذا إلا بغضاً للحجاب، وبغضاً للطاعة، وبغضاًَ لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا إذا كان الإنسان قد علم أنه من الدين، ولا يمكن أن يحتمل الأمر عنده جهلاً، فإن هناك أموراً قد يجهلها الإنسان ويظن أنها تطرف كاللحية مثلاً، فقد يظن أن اللحية من التطرف، فيبغض الملتحي لأجل أنه متطرف، أما إذا علم أن الكتاب والسنة قد دلا على إعفاء اللحية، وعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملتحياً وأمر بإعفائها، ثم حاربه بعد ذلك وأبغضه من أجل ذلك، فهذا يدخل في النفاق والعياذ بالله، وهذا من البراء المحرم.