إن أعظم الأخطاء التي تواجه الأمة تكمن في المناهج المنحرفة في التربية، وهي التي يتقنها جيداً أعداء الإسلام، فهم يضعون المناهج المتعددة التي ترمي إلى تدمير هذه الأمة، وذلك من خلال تدمير أبنائها، وإعداد طائفة هي في ظاهرها تتكلم بألسنتنا ومن جلدتنا، وفي باطنها قلوب كقلوب الشياطين والعياذ بالله؛ لأن أعداء الإسلام والمسلمين يربونهم ويعلمونهم من أجل أن يتولوا أهم المراتب في قيادة الأمة، ثم بعد ذلك يقودونها إلى مذبحها، وإلى مهلكها بيد أعدائها.
فإعداد المنافقين الذي يتقنه جيداً أعداء الإسلام، ومن أجله وضعوا مناهجَ تعليم، ومناهج إعلام، ومناهج اقتصادية واجتماعية متعددة، تفرض على الناس نمطاً معيناً من أنماط الحياة، والتي يترتب عليها نشوء أجيال لا تعرف شيئاً عن دينها، بل تعرف ما يضاده وما يخالفه، وعند ذلك تتقبله وترتضيه.
وآخر الأمثلة شيوعاً -وإلا فالذي لا يشيع في الناس أضعاف مضاعفة- قصة ذلك الكتاب الذي يدرس في الجامعة الأمريكية عبر سنوات، وهذه الجامعة تخرج منها أجيال تلو أجيال ممن يعدون لأرفع المناصب وأكثرها حساسية، وفي ذلك الكتاب سب صريح لرسول صلى الله عليه وسلم، وطعن عظيم في القرآن، وهذا الكتاب لأقبح المستشرقين كذباً وتزويراً وحقداً وحسداً للإسلام والمسلمين، ومع ذلك يفرض على هؤلاء الأبناء -الذين هم دائماً كما يسمونهم أبناء الصفوة- أن يحفظوه ويلخصوه ويمتحنوا فيه ويجيبوا بما يطعن في الإسلام صراحة كما يريد مدرس الكتاب، وكأن هذه الأجيال المتعاقبة التي دخلت ثم خرجت تعتبر ذلك أمراً طبيعياً وعادياً عندها، فلا غرابة إذاً أن نجد منهم من يحارب القرآن ويحارب سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعتبر الإسلام أمراضاً نفسية أو عقداً داخلية، أو غير ذلك مما يتقيأه ذلك المستشرق عليهم والعياذ بالله، فإذا بهم يصيرون هم العدو كما وصف الله عز وجل المنافقين.
ومن شواهد أصحاب المناهج المنحرفة على نشرها: ما جاء في قصة أصحاب الأخدود، وذلك في قول الساحر الكافر الذي لا يعرف آخرة ولا بعثاً، بل إنه يعلم الناس أن ملكهم هو ربهم والعياذ بالله، وأنه لا إله لهم غيره ولا رب لهم سواه، أضف إلى ذلك أنه حريص على استمرار الشر والفساد من بعده، فيقول للملك: ابعث إلي غلاماً أعلمه السحر، فينتقي له غلاماً فطناً ليعلمه السحر، وكان في المقابل لهذا الغلام تربية أخرى وتوجيه آخر، وتلقى هذا الغلام تعليماً مزدوجاً كما يقال، تربية الساحر وتربية الراهب المنعزل الموحد لله عز وجل، والراهب لم يكن له اختلاط بالناس، ولكنه نجح بفضل الله سبحانه وتعالى في أن يلقن هذا الغلام منهج العقيدة الصحيح، وأن يلقنه دين الله سبحانه وتعالى، فتغيرت أمة من الأمم بواحدٍ فقط، ونجت به من عذاب الله سبحانه وتعالى، وتغير منهاج حياتها حتى ضحوا بأنفسهم في سبيل الله، وآمنوا بالله عز وجل؛ بسبب فرد واحد، لذا كان إحسان التربية يؤدي إلى نجاة أمة، وإساءة التربية وسوء المناهج المنحرفة فيها يؤدي إلى هلاكها ودمارها والعياذ بالله.
لذا كان لابد أن نهتم جداً بهذه المسألة، فهي فرض عين في أكثر المواطن والمواضع على معظم الأشخاص ممن لهم أبناء وبنات، وكل من ولاهم الله عز وجل أمرهم، فيجب عليهم أن يعلموهم ويؤدبوهم؛ لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
ولن يتحقق ذلك إلا بفهمنا وعملنا ودعوتنا لما تضمنته آيات الكتاب؛ وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا الباب باب عظيم الأهمية، ولن نجد وصية أجمع لأصول التربية الإيمانية، والعبادية العملية، والخلقية، وفي المعاملات، والدعوة إلى الله عز وجل، من وصية لقمان لابنه وهو يعظه، وحول معانيها نسير ونرجو الله أن يوفقنا للانتفاع بها علماً وعملاً.