من موانع الالتزام عند الكثيرين: من يأمره بعدم الالتزام ممن له عليه حق الطاعة، كالأب والأم وأقاربه، وأساتذته، فكل من حوله يقول له: لا تلتزم، سوف تضيع، ابتعد عن هؤلاء، ومن العجيب عندهم أنه لو ذهب إلى أماكن الفساد والفجور، لو زنى، أو شرب الخمر؛ لكان أهون عليهم من أن يذهب إلى المسجد! وهذا من انتكاس القلوب والعياذ بالله، ومن فساد التصور، ومن العقيدة المضلة التي أضلهم بها إبليس.
فنقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقال عز وجل عن الوالدين وهما من أعظم الناس حقاً على الإنسان بعد ربه عز وجل وبعد النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15].
وهذا هو السبيل الذي يجب أن تسلكه، فأحسن إليهما في غير معصية الله، واقض لهما حاجتهما في غير معصية الله، حتى تكون أحب إليهما من كل أحد غيرك، ووالله أن ذلك سوف يخفف من مقاومتهما لالتزامك، وليكن قصة غلام أصحاب الأخدود أسوة حسنة لك، فقد كان يضربه الساحر إذا تأخر عند الراهب، وإذا تأخر في طريق عودته ضربه أهله، فقال له الراهب حلاً للمشكلة: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، على أنه كان حريصاً على طلب العلم والذهاب إلى الرفقة الصالحة، مع أنه يضرب ويؤذى ويعذب، ومع ذلك كله كان حريصاً على الالتزام والسير في طريق الخير.
فأحسن إلى من حولك من الوالدين والجيران والأقارب، وسوف تكون أحب إليهم من كل أحد، واعلم أن المحبة بيد الله عز وجل، فإذا أحبك الله أحبك أهل السماء وأحبك أهل الأرض بتوفيقه عز وجل، وأنا أعلم والله رجالاً ونساء كانوا يشتكون من أبنائهم أو بناتهم الذين يلتزمون، فلا يريدون أن تنتقب الفتاة، ولا أن يلتحي الولد، ولا أن يسلكوا طريق الالتزام، فيقولون لهم: كفاكم أنكم تصلون، وأنا لا أقول لك: لا تصل، ولا تصم، بل صم وصل، ولكن ابتعد عن هؤلاء، وهم عندما يأتون يتصورون أن طاعة الأب والأم مقدمة على طاعة الله عز وجل، فيظنون أني سآمرهم: أن يحلقوا لحاهم مثلاً، أو أن تترك المرأة حجابها، فيستفتون في ذلك، فآخذ الأب أو الأم بعيداً عن هذا الولد، بعد أن أنصحه بمزيد البر فيما لا يخالف الالتزام، فأقول: للأب: أي أولادك أحب إليك؟ فيقول: فلان أو فلانة، الولد الملتزم أو البنت الملتزمة، فإذا هو أكثر محبة له على الرغم من أنه يشدد عليه وعليها أكثر من باقي الإخوة والأخوات؛ لأن المحبة بيد الله، وفي الحديث (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، فلا تجعل المنزل حجة، بل اجتهد في أن تكسب هذا المنزل، وأكثر من الدعاء لهم والتضرع لله سبحانه وتعالى.
فهذه بعض المعاني التي أحببنا أن نشير إليها من موانع الالتزام عند الكثيرين، ونسأل الله عز وجل أن يغفر لنا تقصيرنا وذنوبنا.