إن من أعظم أسباب الالتزام القرناء الصالحون، ولذلك نقول: الصالحون تجدهم في المساجد وفي حلق الذكر ومجالس العلم، أما الفاسدون فأين تجدهم؟ تجدهم على القهوة أو على ساحل البحر أو في مشاهدة فيلم، وتجدهم في أماكن تجمعات الشباب الضائع على الأرصفة على أفواه الأزقة يبحثون عن الذاهبة والراجعة، وينظرون إلى العورات المكشوفة، وأحياناً تجدهم حول وسائل الإفساد المحرمة؛ كالطاولة والكتشينة والشطرنج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه) أي: كأنه يضع يده في لحم خنزير ودمه، والضمنة مثل الطاولة؛ لأنه بدل ما هي مكعبة أصبحت مفرودة، فالكتشينة بدل ما هي من واحد إلى ستة أصبحت من واحد إلى عشرة، مع الصور المرسومة الأخرى المحرمة مثل الولد والشيبة والبنت والجوكر، أما الشطرنج فإنه عند جمهور العلماء محرم بالقياس على النرد بالإضافة إلى ما فيه من تماثيل وكذب، فتجد اللاعب يقول: كش ملك أي مات الملك، وهل يحصل هذا بالفعل؟! أليس هذا كله كذباً؟! فضلاً عما فيه من الآثار المدمرة للنفس، من تعظيم النفس لها وللعقل، وأنه يفهم كل شيء، لأنه يعرف كيف يلعب الشطرنج، ومن الممكن أنه لا يعرف شيئاً، فهل صاحب الشطرنج استطاع أن يخترع شيئاً جديداً؟! لا، بل حتى لا يعرف أن يخترع ألعاباً جديدة، ومن العجيب أن تسمع من يقول لك: ملوك شطرنج العالم يلعبون المباراة لساعات طويلة تصل إلى شهور وأيام، يجلسون يلعبون، فهل هؤلاء أنتجوا شيئاً لمجتمعهم؟ بل إن أوقاتهم صرفت إلى هذا اللغو الفارغ، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3]، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55]، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72].
فقد مدح الله المار الكريم الذي لا يشارك في اللغو فينبغي أن يكون الإنسان على حذر من هذه الأماكن؛ لأن فيها قرناء السوء، كما أنها أماكن يكثر فيها السب واللعن والبذاءة، والشتم للآباء والأمهات، وسب الدين والسكوت على ذلك، بل والضحك منه، فلو أن جماعةً مجتمعين وقام أحدهم يسب الدين وضحك الباقون فإن هذا مخرج من الملة لهم جميعاً؛ لأن هذا الذي سب دين الله سبحانه وتعالى يعلم أن الدين هو الملة، وليس في لغتنا أن الدين هو الخلق، حتى يقال: إنه إذا كان يقصد الملة كفر، وإذا كان يقصد الخلق لم يكفر؛ لأن كلمة الدين ليست مستعملة عندنا إلا بمعنى الملة، فأنت عندما تسأل: فلان هذا ما دينه؟! فهل سيقال لك: هو صادق أو كاذب؟ لا، بل يقال لك: هو يهودي أو نصراني أو مسلم، فالدين بمعنى الملة، وكذا الديانة التي يدين بها الإنسان، ولا تستعمل بمعنى الأخلاق، أو صادق الحديث، أو كاذب، أو مؤدب؛ أو غير مؤدب، أما الذين ضحكوا على ذلك فقد رضوا بهذا الكفر والعياذ بالله، وفرحوا به فخرجوا من الملة، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً).
كما أن هذه المجالس موجود فيها أنواع من المنكرات غالباً، ففيها شهوات النظر، وفيها شهوات الاختلاط، وفيها شهوات المخدرات، وأهونها السجائر ونحوها، فإن هذا من أعظم أسباب تدرج الشيطان بالإنسان، فالسجائر والشيشة ونحوها من أعظم المضار، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار)، وقال الله عز وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].
ولا خلاف أن التدخين والشيشة ونحوها من الخبائث، وأسباب الوقوع في ذلك قرناء السوء، فابتعد عنهم، وأنا على يقين أن المسلم لن يلتزم التزماً حقيقاً إلا إذا فارق قرناء السوء، فإما أن يلتزموا وإما أن تبتعد عنهم، إما أن تساعدوا بعضكم بعضاً على الالتزام، وتجروا بعضكم بعضاً إلى المسجد، وإما أن تفارقهم وتعتزلهم، قال سبحانه وتعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} [الكهف:16].
فإذا لم يكن هناك وسيلة للنجاة بالنفس إلا اعتزال أهل الشر وجب اعتزالهم ولو إلى كهف، فلا يجوز لك أن تختلط بالمنكر وأنت تراه، وتسكت عليه، فإما أن تسعى في إزالته وإما أن تزول أنت عنه.