قال: [(فأصابوا منهم سبعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين: سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً، قال أبو سفيان: أفي القوم محمد أفي القوم محمد؟ ثلاثاً -صلى الله عليه وسلم- قال: فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب؟)].
فسأل عن هؤلاء الثلاثة؛ لأن عليهم قيام الدين، مع أنه يوجد أناس أشد من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في القتال، لكن قوام الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بـ أبي بكر وعمر.
قال: [(ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله! يا عدو الله! إن الذين عددت لأحياء كلهم -هذه صدمة عظيمة لـ أبي سفيان والمشركين- قال: وقد بقي لك ما يسوؤك، فقال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال -يفتخر بقوله: الحرب سجال يعني: مرة علينا، ومرة عليكم- قال: وإنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز ويقول: اعلُ هبل اعلُ هبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبوه؟! قالوا: يا رسول الله! وما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل)].
فالدفاع على العقيدة مأمور به، وإغاظة المشركين جائز ومباح، والانتصار للنفس منهي عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال أولاً عندما سأل أبو سفيان عنه: (لا تجيبوه)؛ لأن في السكوت عنه كانت المصلحة وعندما بدأ يفتخر بنفسه فكان أمر إغاظته مسكوت عنه فانتهز الفرصة عمر وأجابه، وفي الثالثة لما ذكر الثلاثة مجموعين وقال: (أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم) لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أذن لـ عمر في الانتصار للنفس.
وقال لهم: أجيبوه لما افتخر بإلهه وقال: (اعل هبل، فقال: ألا تجيبوه؟!) فعندما يُطعن في الدين لا بد أن يجاب عن الطعن، ولا بد أن يرد على الطاعن، وعندما يكون الطعن في أشخاصنا فيمكن أن نسكت، وممكن أن نرد.
قال: [(قال -أي: أبو سفيان -: لنا العزى ولا عزى لكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبوه؟! قالوا: يا رسول الله! وما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم).
وقد رواه البخاري من حديث زهير بن معاوية مختصراً، ورواه بأبسط من هذا أيضاً].