بين الله عز وجل حال لوط عليه السلام عندما ضاق به الحال إلى تلك اللحظة في موضع آخر فقال: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر:37] خرج عليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم بجناحه فطمست الأعين وطمست الوجوه، أصبحت بلا أعين ولا أفواه، خرجوا على تلك الحال يتوعدون لوطاً في الغد، يا سبحان الله، على ما هم عليه من العتو والإجرام.
قال عز وجل: ((قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ)) بإيذاء أو بغير ذلك: ((فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ)) أي: سر بالمؤمنين والمؤمنات من بناتك ليلاً، ((وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ)) أي: لا تنظرون إلى ما يقع ويجري، دعوهم لله لينتقم منهم، ((إِلَّا امْرَأَتَكَ)) أي: هذه لا تخرج ولا تسري بها، ((إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ)) وذلك دليل على أنها لم تخرج معهم ابتداء، لرضاها بفعلهم وإقرارها بمنكرهم، وكل من رضي بالمنكر ورآه حقاً لمن يفعله فهو مثل فاعله والعياذ بالله.
قال عز وجل: ((إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ)) وهذا على لسان الملائكة يبشرونه بقرب هلاكهم، ((أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ))، وهذه هي الساعات الأخيرة في حياة قوم لوط، فخرج لوط في آخر الليل وانطلق ولم يلتفت ولم تخرج امرأته؛ لأنها كانت من قومه.
قال عز وجل: ((فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا)) [هود:82] يقال: رفعهم جبريل عليه السلام بطرف جناحه حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم وصياح ديوكهم ثم أهوى بهم إلى الأرض، قال عز وجل: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم:53 - 54]، جعل الله أعلى القرية سافلها، وهوت من السماء إلى الأرض، ثم أتبع ذلك أن أرسل الله عليهم حجارة من سجيل معدة عنده في السماء عز وجل مسومة معلمة، كل رجل وامرأة منهم له حجر معلوم يصيبه لا يخطئه.
{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83]: وذلك أن السماء من الشهب وأنواع الحصى وأنواع الحجارة التي تدور في أفلاكها لو أصابت الأرض لأحرقتها بالكلية، فكيف بقرية صغيرة؟ وكيف بذرة في ملك الله؟ والله عز وجل يخبر أن هذه الحجارة ما هي من الظالمين ببعيد، وذلك دليل على أن هذا يمكن أن يقع في الأمم بعد ذلك، وهو حاصل قبيل القيامة فسيكون مسخ وقذف وخسف في هذه الأمة، وفي الذين يفعلون الفواحش ويتخذون المغنيات، ودائماً ما تقترن الفواحش بالغناء والموسيقى.
وأخبر الله عز وجل أنهم أخذتهم صيحة كذلك أهلكتهم بأنواع العقوبة كلها جزاء بما صنعوا، نسأل الله عز وجل أن يعافينا من كل سوء وشر.
اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
اللهم! من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين! ربنا! ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم! نجِ المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
اللهم! انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان.
اللهم! انصر الدعاة إليك في كل مكان.
اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم! متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.
اللهم! إنا نسألك الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم! إنا نسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم! إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
أقولي قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.