قال الله سبحانه وتعالى مبيناً حال لوط عليه السلام حين جاءه الفرج وما جاءه إلا في صورة ابتلاء، وهذا وحده آية وعظة لأهل الإيمان: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} [هود:77]، ما علم لوط أنهم رسل الله الذين أتوا لنصرته وقد كان يدعو الله: (رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت:30].
وكان يدعو الله زمناً طويلاً ويكرر الدعاء، وما علم أنهم الرسل الذين جاءوا لنصرته، وأنهم الملائكة الذين أرسلهم الله لإهلاك المجرمين الذين سخروا منه واستهزءوا به وعزموا على إخراجه وأهله بتهمة أنهم أناس يتطهرون.
جاءت الرسل في صورة أضياف، وهكذا البلاء يبلغ مداه بالمؤمن في آخر اللحظات قبيل الفرج، وكلما ازدادت ظلمة الليل اقترب الفجر من الطلوع بإذن الله تبارك وتعالى.
والله عز وجل يبتلي عباده المؤمنين ليستخرج منهم أنواع الطاعات، وأنواع العبودية، وهو سبحانه يكره مساءتهم ويقدر سبحانه وتعالى عليهم ذلك لما يترتب على هذا الذي يسوءهم من أنواع الخيرات والمحبوبات لله عز وجل من صبرهم ولجوئهم إلى الله، وتوكلهم عليه واحتسابهم أذى قومهم في سبيله سبحانه وتعالى، والاتعاظ بسيرتهم بعد ذلك، وغير ذلك من أنواع الحكم البديعة البالغة التي قدرها الله من وراء تقدير ما يسوء المؤمنين.
قال تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ)) رسول كريم من رسل الله يقدر الله عز وجل عليه أن يساء في آخر أيام الابتلاء، ((سِيءَ بِهِمْ)) أي: ساءه مقدم الأضياف، فقد أصروا على أن يضيفهم لوط، ولقد كان قومه قبل ذلك نهوه أن يضيف أحداً من العالمين كما قال عز وجل عنهم: {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر:70]، قالوا: إن جاء أغراب فاتركهم لنا نضيفهم، وذلك أن الغريب عندهم له رغبة خاصة وميل أشد من الحاضر لديهم الذي يملوه دائماً؛ فإن صاحب الشهوة المحرمة يمل كل ما حوله دائماً ويريد الانتقال والتحول، فلذلك نهوه عن أن يضيف أحداً من العالمين، وأصر هؤلاء الأضياف على أن يضيفهم لوط، وشهد عليهم مرات أنه لا يعلم أخبث من هؤلاء، ومع ذلك فلا بد من أن يضيف هؤلاء وليس عنده قوة ولا عشيرة تمنع هؤلاء وتصد عنهم أذى المؤذين، ولكنه يقبل ويحتاط ويجتهد أن يدخلوا سراً بحيث لا يعلمون حتى لا يصيبهم أذى، والأضياف سائرون معه وهم رسل الله الكرام الذين في قوتهم أن يفتكوا بهؤلاء المجرمين في لحظة وبصيحة كما قد فعلوا بأمر الله عز وجل، ولكن انظر إلى البلاء الذي حل على لوط في آخر أيام دعوته إلى الله عز وجل.