Q يستشهد أعداء أهل السنة والجماعة بروايات من كتبنا مثل تاريخ الطبري وتاريخ الحافظ ابن عساكر والكامل لـ ابن الأثير، وكتاب بدائع الفوائد لـ ابن القيم لإثبات صحة ما هم عليه في قضية تحكيم معركة صفين وفساد دولة بني أمية، ورواية مقتل الحسين، فهل معاوية ويزيد من الحكام الظلمة؟ ولماذا يذكر علماؤنا تلك الروايات رغم ضعف سندها، الأمر الذي يجعل أعداء السنة يسيئون لأهل السنة؟
صلى الله عليه وسلم أنت اعتمدت كتب التاريخ، وكما قال الإمام أحمد: ثلاث لا أصل لها: السير، والمغازي، والتفسير، فالسير والمغازي كثير منها بلا أسانيد فهي تروى للاستشهاد بها، وهناك أشياء شبه متواترة، فكون الحسين قتل، وكون يزيد هو الذي وجه الجيوش إليه، نحن لا نستطيع أن ننفي ذلك، لأنه أمر مقطوع به ولا يمكن إنكاره، وكونه وقع تحكيم في معركة صفين فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولكن ما هي صفة التحكيم؟ الأخبار الواردة في هذا الأمر أكثرها بلا أسانيد، وما ثبت منها فالصحابة معذورون مجتهدون متأولون فيه، أو مجتهدون مصيبون لهم أجران، وكثير من الأخبار التي فيها طعن على الصحابة رضي الله عنهم لا تثبت، وقد ذكرها أصحابها وذكروا معها السند لكي به يعرف طلاب العلم ضعف أو صحة هذه الأخبار والآثار، فهم قد أدوا ما عليهم بذكر الأسانيد، فالأمر واسع أن يبحث فيه بعد عصرهم، وكما ذكرنا نحن لا نحتج كثيراً بذلك، وليس كلما ذكر في هذه الكتب صحيح، كالكتب المعتمدة فهل قبول الأمة للبخاري ومسلم مثل قبولها لتاريخ الحافظ ابن عساكر؟ لا، وهل قبول الأمة للترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجة في الجملة كقبولها لتاريخ ابن الأثير؟ قطعاً لا، فهم أتوا بها للدراسة، وهم حين أسندوها قد أدوا ما عليهم.
وأما ما سألت من وجود تحكيم في معركة صفين فلا شك أنه وقع تحكيم، لكن أن عمرو بن العاص خدع أبا موسى الأشعري فهذا مما لا يجوز أن يقال، وعمرو بن العاص رضي الله عنه أجل من أن يكون طالب دنيا، بل هو اجتهد وأراد رد الأمر إلى أهله، وهذا هو الظاهر من أمر التحكيم، فقد رأوا فيه أن يرد أمر الخلافة إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي رضي الله عنه رأى أن هذا أمر فيه نقض لبيعته من غير دليل ومن غير بينة، ومن غير سبب شرعي يقتضي نقض هذه البيعة التي ثبتت، وهذا هو الصحيح، فأمر التحكيم وقع ليس بالخداع، بل أحالوا الأمر لكبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ والصحيح أنه كان لابد من إلزام الناس ببيعة علي رضي الله عنه، وكان هذا هو الواجب، فـ عمرو بن العاص لم يخدع أبا موسى ولم يأمره معاوية؛ لأن معاوية لم يطلب الإمارة أصلاً في حياة علي، وما طلب الخلافة إلا بعد موت علي، وهذا هو الصحيح.
أما أنه وقع في دولة بني أمية فساد، وخصوصاً بعد عهد معاوية رضي الله تعالى عنه، فلا شك في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد سمى هذا ملكاً عاضاً، وحذر من رأس الستين صلى الله عليه وسلم، ولاشك أنه وقع فساد، وليست هذه الخلافة الراشدة، بل هو ملك، وأعدل الملوك هو معاوية؛ لأنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أبداً أن يطعن في معاوية، وله رضي الله عنه من الحسنات والفضائل على هذه الأمة ما لا يمكن إنكاره، وما ينجبر معه ما قد يكون وقع منه من اجتهاد أو تقصير أو حتى ذنوب، فهم ليسوا معصومين من الصغائر ولا من الكبائر، ولكن لـ معاوية رضي الله عنه ولـ عمرو بن العاص ولطائفة الصحابة رضي الله عنهم في الجملة؛ من الفضائل والدرجات والأعمال والجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام وتعليم العلم ما يغمر مساويهم إذا كانت لهم مساوئ وثبتت، كيف وهي لم تثبت؟! كيف وما ثبت عنهم كان لهم فيه اجتهاد، فمنهم المجتهد المصيب، ومنهم المجتهد المخطئ المغفور له خطأه المثاب على اجتهاده، فلا يصح أن يذم معاوية رضي الله عنه.
أما يزيد فلا شك في نقصه، ولا شك أنه أتى على أهل الإسلام بأشياء منكرة، وقد سأل الإمام أحمد رحمه الله ابنه: هل تحب يزيد بن معاوية؟ فقال: وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر وقد فعل بأهل المدينة ما فعل؟ فوقعة الحرة كانت وقعة عظيمة هائلة، وقد قتل فيها صحابة وتابعون وفضلاء، وهو أمر عظيم الخطر، قال عبد الله بن أحمد لأبيه: فهل تلعنه؟ فقال: وهل سمعت أباك يلعن أحداً؟! ونحن عندنا قضية الموازنة وهذا أمر مهم جداً، فقد كان يزيد قائد أول جيش غزا القسطنطينية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له)، وكان هذا في حياة أبيه قبل أن يكون خليفة، فله الفضل في هذا الباب، لكن كونه قد أتى بمنكرات فلا شك في ذلك؛ وكونه ظلم فلا شك أنه قد ظلم، وأعظم ظلم هو قتل الحسين بن علي، ثم وقعة الحرة التي أوقعها بأهل المدينة وانتهك فيها الحرمات، وبعدها مات يزيد بن معاوية، ولكن لا ننسى أن له محاسن في الجهاد في سبيل الله عز وجل والله أعلى وأعلم.
أما معاوية فالطعن فيه ظلم، ومسبته مسبة للصحابة فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي).