إن الشح -وهو: الحرص على ما في أيدي الناس أن يضمه إلى ما في يده- حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم، (أهلك من كان قبلكم) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فالتنافس على الدنيا يزيد البغضاء والشحناء في القلوب، وأما التنافس على الآخرة فهو يزيد الود والحب رغم أنه تنافس.
إن الإنسان يحرص على أن يكون هو المقدم، وهذا إذا كان في طاعة الله، ولم يخدع الشيطان صاحبه حتى يجعل له الدنيا وقد ألبسها صورة الطاعة، وهو ينافس على الدنيا في الحقيقة وإن كان بستار ولباس الدين، فإنه إذا كان التنافس على الآخرة حقيقة زاد الأمر وداً وحباً، وإذا وجدت التنافس يؤدي إلى البغضاء والكراهية فبالقطع واليقين أنَّ هذا ليس الذي أمر الله به؛ لأن ما أمر الله به يؤدي إلى ما يحبه ويرضاه، وهو لا يحب البغضاء حالقة الدين، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا كان يؤدي إلى الحسد فالله لا يحبه ولا يشرعه، كيف وقد هلك إبليس به، وهلك ابن آدم الأول به، نعوذ بالله.
إذاً: إذا وجدت البغضاء والكراهية والحسد وإن كان فيما يبدو تنافساً على الدين فأيقن أنه ليس كذلك، وأيقن أن هذا ليس تنافساً على الدين، بل دخلت الدنيا حتماً واستقرت في القلوب، ثم لبست لباس الدين وفيما أُظهر الناس أنهم يتنافسون على مرضاة ربهم والحقيقة أنهم يتنافسون على المنازل في قلوب العباد وفي نظرهم نعوذ بالله من ذلك، وذلك كله راجع إلى شدة الانشغال بالدنيا والتكاثر فيها، ونسيان المغفرة والجنة، فكلما أكثرت الفكر في يوم القيامة، وفي الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض، وكلما تفكرت في الموقف، وفي الحساب والحشر وصفة القيامة، وكلما صغرت الدنيا في عينيك وفي قلبك، وكلما تنافست فعلاً على الآخرة، وهان عليك أن تخذل من الدنيا، وهان عليك وسهل أن تكون سمحاً في معاملتك، غير بخيل ولا آمرٍ الناس بالبخل، فلا بد أن تعرف أن طاعة الله لا تأتي إلا بالخير، ولذلك كان السباق على الآخرة لابد أن يأتي بالخير، فإذا وجدنا شراً فلنتهم أنفسنا، فإن الله عز وجل لا يخلف الميعاد.