قال: فسار صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، فلما كان بالشوط -ما بين المدينة وبين جبل أحد- رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضباً؛ لكونه لم يرجع إلى قوله، وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالاً لاتبعناكم، ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم.
وهذا من عجيب شأن المنافقين، فهذا المنافق يعلم أنه قد أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الخروج، ثم قرر النبي صلى الله عليه وسلم الخروج وخرج معه، ثم تراجع ليفت في عضد المسلمين، وهذا خبث ومكر ودهاء من المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، فإنه رجع بثلث الجيش.
وهذا دليل على أن عبد الله بن أبي له وزن عند كثير من الأنصار في ذلك الوقت؛ لأنه كان مطاعاً مقدماً، كاد أن يصبح ملكاً على المدينة قبل ثلاث سنوات فقط من هذه الوقعة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وكادوا أن يتوجوه بالعصابة ويجعلوه ملكاً على المدينة، فكانت له منزلة، فرجع من الألف تقريباً ثلاثمائة وقليل، رجعوا مع عبد الله بن أبي، ولم يكن كلهم منافقون النفاق الأكبر، ولكن استجاب كثير منهم لقول عبد الله بن أبي، وهذا دليل على خطر النفاق.
فطائفة المنافقين تفت في عضد الطائفة المؤمنة، وتوهن عزائمها، وتوهمها بأنها معها ثم تتراجع في مرحلة المواجهة، وفي ساعات الخطر، ويزعمون أنهم لا يرون قتالاً، كما قال عز وجل حاكياً عنهم: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران:167]، لكن نحن لا نراكم تقاتلون اليوم أحداً، ولا يوجد حرب اليوم، فإذاً: لماذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا جاء ثلاثة آلاف من المشركين؟ هل يرجعون بدون قتال؟ والرسول قد خرج بالفئة، لكن هذا من خبث المنافقين، ومن محاولة التلبيس على المسلمين؛ ولذلك ذمهم الله على هذه الوقعة، كما سيأتي في سياق السورة.