وهنا فائدة عظيمة الأهمية، وهي: أننا إذا اخترنا رأياً معيناً فيما نواجه من وقائع، وكان هذا الرأي من الجهة الواقعية غير موفق، أو كان غيره أولى منه، لكن كانت النية في اختيار هذا الرأي خالصة، وكانت إرادة وجه الله عز وجل وإرادة نصرة دينه وإرادة البذل في سبيله سبحانه وتعالى هي الحاصلة، فلا يعاتب صاحب هذا الرأي، حتى وإن حدث ابتلاء، أو حدثت محنة، بل قد يحدث قتل، وقد تكون هناك شهادة للبعض، وجرح للبعض الآخر، كما وقع في غزوة أحد، ولكن من أين أتي الناس في غزوة أحد؟ هل أتوا من قبل أنهم اختاروا هذا الرأي الذي كان غيره أولى منه، أم أنهم أتوا من قبل النيات ومن قبل الإرادات، ومن قبل مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلهذا نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتب الذين أشاروا عليه بالخروج للقتال خارج المدينة، ولم يقل: أنتم السبب، وأنتم الذين جعلتمونا نخرج إلى المشركين، وكان الأولى أن نجلس، لم يعاتب على ذلك، وإنما عوتب الذين تركوا أماكنهم من الرماة، وعوتب من أرادوا الدنيا كما قال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152]، وعوتب من ظنوا بالله ظن الجاهلية، وعوتبوا على ما وقع في قلوب بعضهم ساعة الفرار وساعة الانسحاب غير المأمور به من الوقعة، وأيضاً ذُم المنافقون على نفاقهم.
فهذا الأمر هو الذي ينبغي أن نستعمله دائماً فيما نواجهه من وقائع وأمور، ولا نشغل أنفسنا كثيراً بأن هذا الرأي كان خطأً وأنه كان سبب المشكلة؛ لأن سبب المشكلة الحقيقية التي تواجهنا في كل مواقفنا مع من يخالفنا، ومع أعداء الإسلام، -لو دققت- تجد أن سببها ما ينبع من داخلنا ومن أعمالنا ومن أحوال قلوبنا، وهذا هو الذي نبهنا عليه القرآن، وتأمل الآية التالية مباشرة وهي: ((إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا)).
هذا الذي كان عليه العتاب، ومن ثم يجب معرفة كيف ينجو الإنسان أو تنجو الطائفة المؤمنة من هذا المرض الخطير: وهو الفشل، والتخاذل والابتعاد عن طريق الخير والحق، وترك مواجهة أعداء الله سبحانه وتعالى، هذا هو الخطر العظيم، فكيف يعالج؟ يعالج بالتوكل على الله عز وجل كما سيأتي بيانه.