يجب أن نسعى بالدعوة إلى الله كل منا في مجال وجوده، وفي مجال اختلاطه بالناس؛ ونحن نختلط بلا شك بعشرات المنكرات كل يوم.
أروي لكم قصة عشتها أنا فعلاً وما كنت أتصورها: خرجت في يوم ما من خطبة الجمعة فوجدت بعض الأولاد بجوار المسجد على بعد مترين أو ثلاثة يلعبون بالنرد وأصوات الموسيقى مرتفعة إلى جانب ذلك كله، وكان الناس في الخطبة متضايقون جداً مما يحدث، وأنا حز في نفسي أن لا أقول لهم أي شيء، فذهبت إليهم ونصحتهم بأن يستغلوا أوقاتهم في أمور هي خير من النرد والأغاني، فوجدت أنهم يحفظون شبهات حول اللعب بالنرد، وينكرون حرمته، وبعد نقاش تركتهم وذهبت، ثم سمعت أحدهم يقول: ارفع هذا الشيء عنا، فحمدت الله تعالى على ذلك، حتى ولو لم يقتنعوا المهم أني أفسدت عليهم شيئاً من هذا الحرام الذي وقعوا فيه.
إذاً: فالناس عندها استعداد لتقبل الخير؛ حتى ولو للحظة، ويمكن أنهم أقفلوه حياءً من الذي أمرهم، والحياء من الإيمان.
وهناك من يتكلف أن لا يرد كلام أحد، خصوصاً إذا كان هناك فارق في العمر، فيقولون عنه: رجل من أصول القرن الماضي، فلو أن الشباب تقدموا لأمثالهم وكلموهم لأثروا فيهم، ودائماً الشباب يؤثرون على بعضهم، ونجد أن أولادنا يحبون أصحابهم أكثر من آبائهم وأمهاتهم، هذا أمر لا شك فيه؛ لأنه يرى أن أمه وأباه لا يفهمون الدنيا، وهم من زمن آخر، فمن الذي سيكلمه إلا صديقه.
فأيها الشاب! لو وجدت فكرة منكرة تنافي الفطرة سيعملونها نحذرهم منها، وكذلك لو وجدت فكرة صالحة قد يعملونها فحفزهم لعملها والتحلي بها؛ لأنك قريب منهم، وعندك نفس احتياجاتهم وشهواتهم.
إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى لو طبقت من جميع الملتزمين بكل مستويات اختلاطهم، ولم تقتصر على مجرد خطبة أو درس في المسجد، أو ندوة أو محاضرة، وإنما تكون كلمة الحق في كل مكان نصل إليه، ولا نخجل منها، ولا نستحيي، فأهل الباطل لا يستحون، وكما ذكرت الطبقات المختلفة مؤثرة على بعضها أكثر من تأثير البعيد عنها، الشباب يؤثرون في الشباب، والبنات يؤثرن في البنات، وكل أهل ملة عندهم فهم معين يؤثر بعضهم في بعض أكثر مما لو حدثهم آخر.
فلو أن طبيباً نصح الأطباء، سيختلف الأمر عما لو نصحهم صاحب أي مهنة أخرى، فلو نصحهم نجار مثلاً لقالوا له: أنت لا تفهم أي شيء عنا، ولا تعلم ما نحن فيه، لكن لو كان الناصح من بينهم وقال لهم مثلاً: عليكم أن تتقوا الله، وتغضوا أبصاركم عن عورات المرضى، ولا تستهينوا بالعورات مثلاً، فذلك يختلف عما لو كان من غير مجالهم، فكل واحد في مجاله، الشاب في مدرسته وجامعته، والعامل والموظف في عمله، والجار مع جاره، والمرأة مع صديقتها وجارتها، لو حدث ذلك لتغير واقع الناس، ولكنا فعلاً سائرين على الطريق، بما نقدر عليه، ولن نقول للناس: افعلوا ما لا طاقة لكم به، ولا نقول: افعلوا أي شيء، ولو كان على غير الطريق، فلا بد أن نسير؛ ولكن على الطريق.