عوامل الخروج من المحنة

الطاقة التي عندنا نريد أن نوجهها توجيهاً سليماً، نريد أن نسير في طريق الدين والإسلام؛ وعند ذلك ننتصر؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى بعدما ذكر قوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ} [هود:121] قال: {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} [هود:122].

إذاً: فالوقت لصالحنا ما دمنا نسير على الطريق، ولم نبتعد عنه؛ فلن نقصر فيما في إمكاننا.

وهناك أمور إذا صنعت وقمنا بها خرجنا من المحنة: الأمر الأول: أن نوقن أن ما بأيدي أعدائنا لا يساوي شيئاً، ويمكن أن يزول في لحظة، وأن قوتهم ضعف، وعزهم ذل، وغناهم فقر، فنشهد بذلك، ونشهد أن الأمر لله، والغيب لله، وإليه يرجع الأمر كله سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: أن نعمل على طريقتنا، ولا ننحرف يميناً ولا شمالاً، بل على نفس طريق الأنبياء والرسل، وطريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام، حتى نكون من الفرقة الناجية، وأصحاب العقيدة الصحيحة، والأخلاق السليمة، والمعاملة بالحلال وتجنب الحرام، الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والقيام بالإيمان والإسلام والإحسان، فنعمل لذلك ونطبقه في أنفسنا.

تخيلوا ذلك في مكاتبنا الخاصة، ثم تخيلوه بعد ذلك في مساجد المسلمين، ثم تخيلوه في كل بيت، لو أن الإخوة معنا ثم الناس في المساجد، ثم في كل بيت من البيوت يكون لهم في كل يوم درس في كتاب تفسير ميسر مثل: أيسر التفاسير، أو مختصر تفسير ابن كثير، وكل يوم تقرأ بضع آيات، وتتعلم معاني الكلمات، وما فيها من حياة القلوب، ومعاني الإيمان، ثم نطبق ذلك في حياتنا، وكذا كل يوم ربع ساعة آخر النهار في كتاب شرح مسلم، أو كتاب الترغيب والترهيب، فيقرءون الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويطبقونها في حياتهم، تخيلوا لو أن كل الملتزمين صنعوا هذا فضلاً عن بقية الناس في المساجد، وفرضاً لو أن كل البيوت عملت هكذا، ما هو التغير المنتظر في حياة الناس؟ بالتأكيد أن التغيير سيكون جذرياً؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد كلام الله عز وجل ينير لنا الطريق في الظلمات، لكن كثيراً من الناس يمكن أن يمكث أربع ساعات في مشاهدة مسرحية، أو نشيد، أو أغان، أما أن يصبروا في سبيل الدين فلا.

المصيبة أن الناس تريد أن تزيل الأزمة بمزيد من الأزمة، مثلاً عام (1967م) عملوا على إزالة آثار العدوان بأن قامت كوكب الشرق تغني في البلاد العربية، وتقوم بعمل حفلات من أجل أن تزيل آثار العدوان، وأغاني عبد الحليم حافظ الحماسية القوية، التي في هذا الوقت يقوم الفنانون بعمل أغاني مثلها!! إذاً: فلنستقبل مزيداً من البلاء، وبعض الإسلاميين يسمونها إسلامية! وهذا بلاء فعلاً والله، نسأل الله العفو العافية.

القدس عندما احتلت كان نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهما الله تعالى لديهما رغبة في نشر السنة، ومقاومة الفكر الرافضي الباطني، ونشروا كتب السنة في كل مكان، فالناس تعودوا أن يقرءوا البخاري، وغالباً لم يكن هناك فهم وإدراك جيد، مع أن الشروح موجودة، ثم نصرهم الله نصراً عزيزاً مؤزراً.

كان نور الدين محمود رحمه الله تعالى يأتي المحدث قبل المعركة، فيقول له: حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، فقبل أن يبدأ المعركة يريد أن يسمع الحديث في مثل هذا الموطن ويطبقه، فحدثه أن الرسول خرج متقلداً سيفه، فقال: ما أنا على السنة، فتقلد السيف وأمر كل جنده بأن يتقلدوا سيوفهم؛ لأنه سمع الحديث وطبقه بعد ذلك، ثم أصبح الأمر سنة ماضية.

المقصود: أن الناس تتعلم المعاني من أجل أن تطبقها، وكان الغرض استخدام السنة في مقاومة البدعة؛ لأن مجرد سماع حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجعل الناس يتغيرون، لو أخذنا مثلاً كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونظرنا في مسائله، ونحاول أن نستعين بمن يشرح لنا ما صعب علينا من كلامه، فما هو التغير في العقيدة الذي سيحصل للأمة؟ السلوك والأخلاق، والعبادات سوف تتغير في واقع حياة المسلمين تغيراً كبيراً جداً إلى الأحسن، وهذا الذي لا بد أن يقع، ولن يقع حتى يقام الجهاد، والجهاد لا يقام بالإعلانات، ولا هو مجرد فتح أبوابه، وإذا كانت البيئة مهزومة فتقول: افتحوا أبواب الجهاد، ولا يوجد ميدان أصلاً، البيت يريد أولاً البناء، وأن يوضع له أساس قوي، عندها تفتح أبواب الجهاد، وستفتح في مواعيدها بإذن الله تبارك وتعالى.

ولذلك نقول: الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو فعلاً ذروة كذلك، لكن كيف يكون قائماً؟ سنام البعير الذي له قوائم؛ وبقية بدنه أيضاً سليم، هذا الذي لا بد منه، ولابد أن يتوفر هذا في الذي يريد أن يجاهد، ولا بد أن يسير على الطريق، وينتظر عند ذلك، ولكن عندما يكون هناك انتظار بغير ((إِنَّا عَامِلُونَ)) بغير توكل على الله، فيكون انتظار في صالح العدو، وهو انتظار يائس، وليس هذا هو المطلوب من الأمة في هذا المقام، قال عز وجل: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [هود:121 - 123] الأمر إذاً مهم جداً.

إن سورتي هود ويوسف نزلتا على النبي عليه الصلاة والسلام في الأوقات الشديدة جداً، عندما بدأ التخطيط والكيد من أهل الكفر يفكر كيف يقضي على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ للقضاء على الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

بعض الناس يقولون: النصر بعد سنة، أو سنتين، أو خمس، أو ست، أو عشر! لا يجوز أن نحدد، فلا ندري متى يكون ذلك، {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [هود:123] وإنما عليك أن تستمر في العمل، وتنتظر ما يغير الله عز وجل من أحوالنا، بالعمل بما نقدر عليه يفتح الله لنا أبواب ما لا نقدر عليه، والعمل بما نعلم يعلمنا الله عز وجل بسببه ما لا نعلم، وحينها تجد أن الأمور قد وضحت، إن قيل: ماذا نعمل؟ أو لماذا الدنيا مظلمة؟ لأننا لم نسر كما ينبغي، كما قال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]، ولذلك عندما يكون الشخص في حيرة من أمره يصلي صلاة الاستخارة، ويقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.

ثم يدعو بالدعاء المأثور.

فنعمل بما نعرفه، وربنا يفتح لنا أبواب ما لا نعرفه، إذا عملنا بتقوى الله جعل الله لنا نوراً، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29] فرقان نفرق به بين الحق والباطل، حتى تعمل وتعلم أولاً ما هو الصح؛ كشخص وكأمة وكطائفة مؤمنة، لأنه أحياناً قد يقوم الإنسان بعمل شيء وليس هذا هو الوقت المناسب له، فيترتب على ذلك تأخر طويل المدى؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم منع المسلمين من أعمال في أول الأمر؛ ثم بعد ذلك فعلها صلى الله عليه وسلم، فقد استأذنه أهل العقبة -أصحاب بيعة العقبة- أن يميلوا على أهل الوادي من المشركين، فقال: (إني لم أؤمر بقتالهم).

ويبين الإمام ابن القيم رحمه الله لماذا شرع الله عز وجل أولاً كف الأيدي في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النساء:77] قال: شرع الله ذلك؛ لأن المسلمين لو قاتلوا الكفار حينئذ لاستؤصلوا، ولأبيدوا، وكما قال الإمام الجويني: إذا نزل ملك عظيم الشوكة انتصر لبلاد الإسلام لم يتسارع إليه الآحاد؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لأهينوا ولاصطدموا، والاصطدام معناه الإهانة.

فالمقصود: عندما يكون المرء لا يعلم ماذا يصنع يلجأ لربه، ولو كان لا يستطيع أن يعمل كل شيء فيعمل بقدر طاقته كما قال سبحانه: ((إِنَّا عَامِلُونَ)) إذاً: يعمل ما هو قادر عليه، فأنت تقدر أن تصلي فصل، وتقدر أن تتعلم فتعلم، وتقدر ان تدعو إلى الله فأدع إليه.

إذاً: أتمنى من كل أحد منكم أن يخرج من هنا فيطبق ما قلناه، وكل يوم يتعلم آية، أو آيتين أو ثلاثة، ويفهم معناها، وأن يكون له في كل يوم وقتاً لتعلم حديث النبي عليه الصلاة والسلام مع التطبيق، ونشر هذا الكلام في المسلمين، فلو نشرنا هذا الكلام في المسلمين، وتعلموا السنة، فلن يقدر أن يخدعهم أحد أو يميل بهم يميناً أو شمالاً، ولما أن نتعلم التوحيد بطريقة مبسطة، بالآية بالحديث، مثل كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، لو عرفنا الآيات الدالة على صفات الرب سبحانه وتعالى، وعلى سائر أمور الاعتقاد الواجبة، وتنشر هذه الأمور في المسلمين، وكذا الأخلاق الواجبة، ونتعلم كلام النبي عليه الصلاة والسلام في ما يلزمنا في الآداب والأخلاق وأعمال القلوب الواجبة، فسيحصل تغير بإذن الله تبارك وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015