قال عز وجل: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا)) أي: سكنوا الدار، وهذا تشريف للمدينة، حيث سماها الله الدار، فكأنها هي دار الإيمان؛ لأن الإيمان أوى إليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها).
ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن غربة الإسلام، وأنه كما بدأ غريباً يطارده كل أهل الأرض، فأوى إلى المدينة، والناس يعتبرونه حية، واتهموه بالباطل وأرادوا قتله بأي طريقة، وكذلك في آخر الزمان سوف يعود الدين غريباً كما بدأ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يأرز إلى المدينة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان يأرز ما بين المسجدين، كما تأرز الحية إلى جحرها)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
قوله سبحانه: ((تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) أي: سكنوا الإيمان، وهل الإيمان يسكن؟! شبه الإيمان كأنه دار سكنوها، لأن الدار يستقر فيها الإنسان، فهؤلاء الأنصار سكنوا الإيمان، بمعنى: استقر الإيمان في قلوبهم، والإنسان يلازم داره، فإذاً الإيمان سكن هذا في هذا المكان، بمعنى: استقر واطمأن فيه، واستراح فيه، فهذه شهادة لهم بالإيمان رضي الله تعالى عنهم، فهم مؤمنون صادقون، استقر الإيمان في قلوبهم.
فقوله: ((تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) أي: من قبل أن يهاجر المهاجرون إليهم، وقد أسلم كثير من الأنصار قبل المهاجرين، لكن المقصود والله أعلى وأعلم بقوله: ((مِنْ قَبْلِهِمْ)) أي: من قبل أن يهاجر المهاجرون، وأن الأنصار أسلم كثير من كبارهم وسادتهم على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه قبل أن يهاجر كثير من المهاجرين رضي الله تعالى عنهم، وقبل أن تصبح المدينة دار الهجرة التي أوى إليها النبي عليه الصلاة والسلام، فكثير من الأنصار كان قد أسلم، ودخل الإيمان في قلوبهم واستقر رضي الله تعالى عنهم، على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه، فهو من فتح الله به المدينة المنورة، بدعوته إلى الله، وسلوكه الطيب، حتى ما بقي بيت من بيوت المدينة إلا ودخله الإيمان.