قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر:8] فلا يبتغون شيئاً من الدنيا، ولابد من وجود الإخلاص في كل عمل، وأن يبتغي الإنسان وجه الله عز وجل، ولا يريد جزاءً ولا شكورا، ً كما قال عز وجل عن المؤمنين: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:9].
فقوله: ((يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)) أي: يبتغون الفضل والثواب والجنة والرضوان، وهو من أعلى ما يطلبه المؤمن؛ لأنه ذاق في هذه الدنيا حب الله عز وجل، وعرف أن رضاه عز وجل هو أعظم شيء يعطاه الإنسان، فهذا ذاق أثر الطاعة؛ فإن الإيمان: هو أثر من آثار رضاه سبحانه وتعالى عن العبد، ولذلك عندما يذوق الإنسان حلاوته يعلم بالفعل أن رضوان الله من أعظم ما يطلب، كما قال سبحانه وتعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72] أي: أكبر من الجنة فعلاً، نعني بذلك: أكبر من الثواب الحسي في الجنة، فرضوان الله هو الذي جعل الجنة دار الأبرار، والرضا الأعظم هو الرضا الذي لا سخط بعده، كما يقول الله عز وجل لأهل الجنة -كما ثبت في الحديث الصحيح-: (تريدون شيئاً أزدكم؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من هذا، ألم تبيض وجوهنا؟ وتدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ فيقول: بلى أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).
فهذا الرضوان الذي يبتغيه المؤمن، ويريد أن يرضي الله سبحانه وتعالى بكل طاعة، إلى أن يصبح الشخص مرضياً عنه، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، حتى يكون محبوباً عند الله عز وجل، كما قال عز وجل في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).
إذاً: فهناك مرحلة أخرى، فهو يحب منه قبل هذا كله فعل كل عمل صالح، لكن إذا واظب على النوافل بعد الفرائض، وصل إلى أن يكون محبوباً بذاته عند الله؛ لذا يكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأل الله ليعطينه، ولئن استعاذ به ليعيذنه، وهذا من علامات قبول العبد عند الله، وكل هذا جزء من الرضا، وإلا فالرضا الأعظم: هو الذي لا سخط بعده، وهو إنما يكون يوم القيامة، وبرضاه دخلوا الجنة، ولكن رضا أتم، وهذا أعظم ما يمكن أن يوجد، إن نصيب العبد من الله عز وجل هو أعظم ما يسعد الإنسان، وأعظم ما يجد به السعادة في الجنة أن ينظر إلى وجهه، وأن يستشعر رضوان الله، وأن يعلم بكلام الله أن الله أحل عليه رضوانه.
كما قال سبحانه: ((يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)) هذا الذي يحرك في الإنسان كل الدوافع الحسنة والطيبة للإخلاص، وربما يعاني الواحد منا من منازعات الرياء والشهرة والسمعة ومدح الناس له، وفي ذلك أعظم ما ينقله نقلة سريعة إلى الإخلاص، فيبتغي ما ذكر الله، ويفكر كثيراً في الثواب والفضل من الله، ويفكر في رضوانه، وعندئذٍ سوف يصغر العالم كله في قلبه، وعند ذلك يسهل عليه الإخلاص، ويتيسر عليه أن يكون مخلصاً لله عز وجل في كل عمل؛ لأنه وضع نصب عينيه رضوان الله، وعلم أنه يعامل الله عز وجل، ووضع نصب عينيه الوصول إلى أن يحبه الله، ويريد رضوانه، وثوابه في جنته، وهذا الذي يمحو من قلبه هذه الدنيا فتصغر جداً، فلا يمكن أبداً بعد ذلك أن يعمل من أجل مدح مادح، أو يفر من ذم ذام، أو أن يبتغي شيئاً من حطام الدنيا من رياسة، أو مال، أو شهوة، نسأل الله العافية، وأن يرزقنا الإخلاص والعمل الصالح، ونعوذ بالله أن نشرك به شيئاً نعلمه، ونستغفره لما لا نعلمه.