قال عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر:8] فتحمل هؤلاء المهاجرون ألم الإخراج، ومعلوم: أنه لأن تخرج بنفسك أهون من أن تخرج.
فإخراج الإنسان من داره أمر شديد على النفس، وذلك يجعل كثيراً من الناس يتركون الالتزام، والإنسان الذي تحمل ذلك الخطر، أو ذلك الفعل ولو للحظات قوي العزيمة والدين، وقد يخرج الإنسان من داره يوماً أو يومين أو ثلاثة أو شهراً أو شهرين أو أكثر ظلماً وعدواناً بغير حق إلا أن يقول: ربنا الله.
وكذا أن يخرج من ماله، فيفسد عليه ماله، وتفسد تجارته، أو يمنع من ممارستها، أو ممارسة عمله الذي يتكسب منه ما يحتاجه، إن ذلك أمر شديد على النفس، وخصوصاً من كانت أموره متأثرة كالمهاجرين رضي الله تعالى عنهم قبل هجرتهم، وقبل التزامهم بدين الله سبحانه وتعالى، ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
فتحمل هذا الإخراج من الديار والأموال هو من أعظم الصفات الجاذبة لتأييد الله سبحانه وتعالى ونصرته، وأن يعوضهم الله عز وجل خيراً مما فاتهم، فما كانوا يتصورون أبداً أن يطأوا بلاد الكفار التي بجوارهم، بل صار كل واحد منهم أميراً على مصر من الأمصار، قال الله عز وجل عن بني قريظة: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:26 - 27]، فحصون اليهود في المدينة ما كان العرب قبل الإسلام يطئونها أبداً، وما كانوا يسمحون لهم بالدخول، ولا كان يفكر المسلمون بأنهم سوف يدخلونها أبداً، كما قال عز وجل: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر:2] ثم كانت العاقبة أن أفاء الله عليهم أموال بني النضير وبني قريظة ومكن لهم جزيرة العرب كلها؛ لأنهم تحملوا في سبيل الله عز وجل ألم الإخراج من الديار والأموال، وضحوا بذلك في سبيله سبحانه وتعالى.
هذه الصفة أي: الاستعداد للتضحية والبذل والعطاء لا بد أن تكون موجودة في هذا الجيل، وأن يتحمل الإنسان أنواع المشاق بما فيها ألم الإخراج والخوف في سبيل الله عز وجل.