قال تعالى: ((جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)).
فالرسل جاءوا بالحجج الواضحات البينة التي هي أوضح من الشمس، وكل من دعا بدعوتهم فهو كذلك يأتي بالبينات، ولكن ليست المشكلة في مدى وضوح البينة، ولكن في الأعين التي تبصر، وفي القلوب التي تعي، فكم من أناس لهم {قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179]، وكم من أناس لا يرون البينات؟ مع أن الطريق واضح، والحجة بينة قائمة، ومع ذلك لا تقبل، ويكون الفرق بين العدل والظلم كما بين الليل والنهار، ومع ذلك يفضل أكثر الناس الظلم والظلام، والعياذ بالله من ذلك! قال تعالى: ((جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ))، إما أشاروا لهم بالسكوت ووضعوا أيديهم على أيدي الرسل أنفسهم حتى يسكت الرسل؛ لتتوقف الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك يكون -غالباً- على سبيل التهديد والوعيد.
أو وضعوا أيديهم على أيدي الرسل في محاولة مباشرة لإسكات صوتهم، وإسكات دعوتهم، فهم يظنون أن دعوة الرسل يمكن إسكاتها بذلك، ولا بد أن تواجه الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى محاولة الإسكات إما بالتهديد والوعيد، وإما بالإسكات المباشر بتكميم الأفواه بالفعل حتى لا يخرج للداعي إلى الله عز وجل صوتاً، ومع ذلك فسوف تبقى الدعوة، وسوف تستمر كما قص الله عز وجل علينا، ولم تتوقف دعوة الرسل أبداً بمثل هذه المحاولات، وبقدر ما يكون الإنسان متمسكاً بدعوة الرسل على وضوح منهجها على معالمها الأساسية وتفاصيلها يلتمسها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقدر ما يتمسك بذلك كله بقدر ما لا يمكن أن تموت دعوته.