وقضية النصر والهزيمة وموازين القوة والضعف لها عوامل مختلفة كثيرة لابد أن ننتبه إليها، لا إلى الموازين الأرضية، ولكن ننتبه إلى أثر أفعال العباد في تحقيق هذه الهزيمة أو النصر أو في تغيير موازين القوة، وأن الله هو الذي يقدر النصر والهزيمة على العباد، وهذا الأمر متكرر في القرآن في ذكر السنن الماضية والآتية فيما مضى من سنن الأنبياء وفيما ذكر الله من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفيما بين من أمور عامة دائمة تتكرر وتقع، فلا بد من أن ننتبه إلى أثر أفعال العباد في القوة والضعف طاعة ومعصية، وخيراً وشراً، وقرباً من الله وبعداً، وأن نعلم أن الله هو الذي يقدر الهزيمة والنصر، وأنه سبحانه وتعالى إذا نصر قوماً فإنه لا يغلبهم أحد، وإذا خذلهم فمن ذا الذي ينصرهم من بعده، والله سبحانه وتعالى خذل الكافرين وإن بقوا مدة من الزمن يعلو سلطانهم الزائف، ويظهر للناس قوتهم التي يخوف الشيطان بها أولياءه، فالشيطان يخوف الناس بأوليائه امتحاناً من الله عز وجل للعباد، ولكي يرد أهل الإيمان إلى التوبة والإنابة وتكميل مراتب العبودية التي من أجلها قدر الله عز وجل عليهم تسلط العدو، وإنما قدر ذلك لمصلحة أهل الإيمان، ولتكمل عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وإنما أوجد الكفرة وكفرهم -وهو يبغض ذلك سبحانه وتعالى- لكي تستكمل الطائفة المؤمنة أنواع النصرة لدينه، وأنواع العبودية له عز وجل على الأحوال المحبوبة والمكروهة، وعلى العسر واليسر، والمنشط والمكره، فمن أجل أن يعبدوه بأنواع العبودية المختلفة أوجد من هانوا عليه، وسلطهم عليهم، وأقدرهم على أنواع الظلم والفساد في الأرض الذي يبغضه لكي يعبد المؤمنون ربهم.