يقول الله عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد:2]، فهذا هو الأمر الذي علينا، أي: مجيء الحق في سلوكنا وأعمالنا وعقائدنا أولاً، فإذا جاء الحق على قلوب وألسنة وجوارح الطائفة المؤمنة عندها يزهق الباطل؛ لأن هذه هي طبيعته، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، فالباطل يضمحل تدريجياً، ويذوب كما يذوب الملح في الماء إذا جاء الحق وظهر.
يقول الله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]، وهناك سؤال يكرره كثير من الناس وهو: إلى متى ونحن ندعوا ونتضرع، ومع دعائنا فالأمر يزداد كرباً؟
و صلى الله عليه وسلم إلى أن يتحقق ما أراد الله منا شرعاً، وتتم العبودية لله عز وجل من طائفة صادقة لا تشرك بالله شيئاً، ولن يقع ذلك من أهل الأرض كلهم، فلا يزال الناس مختلفين إلا من رحم ربك، فالكثرة على الاختلاف {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [الأنعام:116]، لكن لا بد أن توجد طائفة صادقة مؤمنة تؤمن وتعمل الصالحات، وتحقق الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل الله عليه، ((وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ))، وذلك بصدق المتابعة للسنة في العقيدة والعمل، والسلوك والمنهج، والأخلاق والمعاملة، وليس في جانب دون آخر، فالحقيقة في نفس الأمر مطابقة لاعتقادهم ولسلوكهم، فعند ذلك يكفر الله السيئات، ويغفر الزلات، ويرفع الدرجات: ((كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)) أي: أصلح أمرهم، فإذا أردنا أن تصلح أمورنا فلنكثر مما أمرنا الله عز وجل به، وأهم ذلك أعمال القلوب وأحوالها، كحب الله عز وجل، والخوف منه ورجائه، وصدق التوكل عليه، وتحقيق الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالمحبة له، والتصديق لخبره، والاتباع لأمره، والاجتناب لنهيه، ونصرة سنته، قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} [محمد:3]، فهذه النتيجة قضى الله عز وجل بها لأن: {الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:3]، فبتباع الحق يحبط الله أعمال الكفار، ويصلح أحوال المؤمنين، ولا شك أن التفريط في اتباع الحق هو الذي أدى إلى أن تقف القضية على ما هي عليه الآن.
إن القضية موازينها -فيما يبدو للناس- في صالح اليهود وأعوانهم من الأمريكان، وسائر فرق الملحدين من النصارى وغيرهم من المشركين والمنافقين ومن والاهم على ما يريدون من هدم الإسلام، ولكن قطعاً ويقيناً أن مزيد الاتباع للحق، أو حتى تحقيق القدر الواجب من هذا الاتباع سوف يغير موازين القضية.
وأما إذا ظل الأمر على ما هو عليه فستظل القضية على ما هي عليه الآن، ولكن لن يضمحل الحق بإذن الله من أمة الإسلام أبداً؛ لأنه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).