قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:25 - 28].
فهذا موجب لحبوط العمل، وهو طاعة الكافرين الذين يكرهون ما أنزل الله في بعض الأمر {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118].
وصدق الله عز وجل، فقد بدت البغضاء من أفواه القوم للإسلام بدت في فلتات ألسنتهم، وهم يحاولون إزالتها بكل طريق، ولكن ما تخفي صدورهم أكبر، ولو حلفوا ألف يمين أنهم يحبون الإسلام، وأنهم لا يريدون به بأساً لكفانا ما في كتاب الله سبحانه وتعالى عما في قلوبهم، وهو عز وجل العليم الحكيم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، يعلم سبحانه وتعالى ما تكنه صدورهم وما يعلنون.
فهو الذي أخبرنا عما في إرادتهم من إطفاء نور الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:30 - 33].
فالله سبحانه وتعالى بين ما في قلوبهم من إرادة فاسدة نجسة خبيثة لإطفاء نور الله، ولكنه بين عجزهم التام عن ذلك؛ فإنه كما لا يمكن أن تطفئ الأفواه نور الشمس فأولى بها ألا تطفئ نور الله عز وجل، فهذا الدين يحتاجه الناس أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، بل أشد من الهواء والماء والنفس الذي يتنفسونه، فهم يحتاجون إلى الدين لحياة قلوبهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
وإن الشقاء الذي في العالم اليوم إنما حدث بسبب الفساد الذي ظهر في البر والبحر لما ظهر أهل الكفر والنفاق على المشارق والمغارب، فملئوا الدنيا فساداً وطاعة للشيطان تخالف ما جاءت به رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولو انتسب بعضهم إلى بعض الرسل، فهم في حقيقة الأمر مكذبون بهم، وهم أعداء لهم، إذ خالفوا ما جاءوا به من توحيد الله سبحانه وتعالى وتصديق كل رسول يأتي بعدهم خاصة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهم يكذبونه ويعادونه، ويعادون أولياءه.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى من المبشرات أنه أبى أن ينطفئ هذا النور، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]، وهذا من أعظم البشارات، فالكافرون يكرهون ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذه صفة فعلية، حيث يأبى الله إلا أن يتم نوره، ومن يقف بإرادته أمام إرادة الله؟! والله سبحانه وتعالى نافذ أمره وحده لا شريك له، ولا قوة إلا به عز وجل، قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:33] أي: والدين الحق، لا هدى خلاف هذا الدين، ولا حق سواه، فالإسلام هو الحق، لا دين عند الله عز وجل غيره، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، وقال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].