لابد في الإيمان من التصديق بالله عز وجل، وأسمائه وصفاته، وربوبيته وإلاهيته، وهذا مما يتضمنه الإيمان بالله عز وجل، فيلزم أن يصدق المرء بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر، ثم لابد مع هذا من نطق اللسان بشهادة التوحيد، والشهادة للرسل بالرسالة، خاصة خاتمهم محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم لابد مع عمل القلب من الانقياد والحب والخضوع، ثم يستكمل الإنسان الإيمان الواجب عليه بأن يؤدي أعمال الجوارح الواجبة، ويترك ما حرم الله سبحانه وتعالى عليه، وهذه الأعمال الواجبة -خاصة الأركان الأربعة- من أعظم ما يثبت الإيمان في القلب، وهي -بلا نزاع- عند أهل السنة جزء من الإيمان، وهي عند طائفة منهم من أركانه التي إذا تركها الإنسان حتى يموت تاركاً لها رغم إقراره بوجوبها يكون كافراً.
وإن كان جمهور أهل العلم على أن التكاسل عنها مع الإقرار على النفس بالذنب لا يخرج من الملة، وهذا في الصلاة والزكاة والصوم والحج، وأما ما سوى ذلك من الأعمال فإنه لا نزاع بين أهل العلم في أن ترك الواجب منها أو فعل المحرم مع وجود أصل الانقياد والحب والخوف والرجاء والإخلاص في كلمة التوحيد والشهادة لا يخرج من الملة، وهذا موضع النزاع بينهم وبين الخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة وتارك الواجب، وحكموا بخلوده في النار، والمعتزلة وافقوهم في ذلك، فكانوا من الفرق الضالة المضلة، والعياذ بالله.
أما أهل السنة فإنهم يقولون: إن الفاسق من أهل القبلة الذي يشهد الشهادتين، ويحرص على أركان الإسلام، ويحافظ عليها، هو في مشيئة الله: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.
وجمهور أهل العلم يرون أن ذلك أيضاً حكم من تكاسل عن بعض الأركان أو عن كلها، وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج، وذلك أنها حق (لا إله إلا الله)، ويلزم من قال: (لا إله إلا الله) أن يؤديها، ولكن لا يزول الإيمان بالكلية من القلب بزوالها، إلا أن تاركها على حافة الكفر، فيوشك أن يكفر بأيسر شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، ولكن هذا عند جمهور أهل العلم محمول على الكفر الأصغر الذي لا يخرج عن الملة، لكنه الذريعة والسبب الذي يوصل إلى الكفر الأكبر، ويقود إليه بأسرع طريق، كما ذكرنا أن النفاق الأصغر يقود ويؤدي إلى النفاق الأكبر، وربما يقود صاحبه إلى الاستهزاء والسخرية فيزول إيمانه، وكذلك ترك هذه الواجبات العظيمة -خاصة هذه الأركان- هو ذريعة إلى الشرك الأكبر والكفر الأكبر، فلا يستهينن إنسان بترك ذلك.
فإن ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج عند أهل العلم أغلظ وأشد من الزنا وشرب الخمر، فصلاة واحدة يتركها الإنسان حتى يضيع وقتها بالكلية أعظم ذنباً من أن يزني ولو مرات، وأعظم من أن يقتل النفس، وأعظم من أن يشرب الخمر ويسرق باتفاق العلماء؛ لأنهم -والعياذ بالله- يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال.
وكذا من أفطر عامداً في رمضان من غير عذر ولا مرض فإنه -والعياذ بالله- يشك في إسلامه أيضاً، ويظن به الزندقة والانحلال من الدين، وجريمته أغلظ من الزنا والقتل والسرقة وغيرها، وكثير من الناس يستهين بذلك، وما دروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله)، وليس ذلك خاصاً بالعصر وحدها، ولكنها الصلاة الوسطى المؤكد على أهميتها، والذي يظهر أن من فاتته صلاة مكتوبة حتى يأتي وقت التي تليها فقد حبط عمله كذلك، كما ثبت ذلك في حق من ترك صلاة حتى يخرج وقتها في بعض الروايات، وقد صححها غير واحد من أهل العلم، وهي (من ترك صلاة حتى يخرج وقتها فقد حبط عمله)، نسأل الله العافية.